www.hikmatelzohar.com=82

الراباش – تأثير البيئة على الإنسان

لقد كرس الراباش حياته على العمل في تفسير مقالات كتاب الزوهار وكتابات علماء الكابالا السابقين ووضعها في أسلوب يتناسب مع نوعية ومستوى الفكر في جيلنا نحن ليكون من الممكن توفر علم حكمة الكابالا لكل إنسان على وجه الأرض وتوفير الفرصة لكل من يخضه قلبه على معرفة الخالق وإحراز العالم الروحي.

وصف الراباش بأنه ذو قلب يتقد بمحبة الآخرين فمهما صعبة الظروف التي عاش فيها لم تستطيع أن تحول بينه وبين بذل كل جهده لوضع المنهج السهل الذي من خلاله يستطيع كل إنسان مهما كان موطنه أو دينه أو لغته أن يجد الجواب الصحيح لمعنى حياته وهدفه في هذا العالم، ومعاً نبحر في هذا الواقع الذي لا حدود له للوصول إلى إحراز مفهوم العالم الروحي

من كتابات عالم الكابالا الراباش 

تأثير البيئة على الإنسان

محيط الإنسان ذو تأثير قوي عليه أكان هذا التأثير إيجابي أو سلبي. فما دور الإنسان في مجتمعه وفي إختيار محيطه؟

هناك عرف متعارف عليه ومتبع في العالم كله، يقال أنه لا يصح للإنسان صاحب المهارة العالية أن يضع نفسه مع أناس من أهل مهنته من الغير المحترفين والغير الماهرين في عملهم ليتعلم من أفعالهم. فعلى سبيل المثال إذا أخذت إسكافيا ووضعته مع غير الماهرين من أبناء حرفته فإنهم سيؤثرون عليه بتفكيرهم بأن العناء غير مستحق في بذل الجهد الكثير في عمل حذاء جيد النوعية وبعدم المبالاة من ناحية الجودة لأن العناء باطل وبدون استحقاق. أو إذا أخذت خياطا. وإذا كان هذا الخياط بارعا وماهرا في مهنته فعندما يكون ضمن أؤلائك الغير بارعين من أهل مهنته فهم سيؤثرون على تفكيره في عدم الضرورة بأن يجهد نفسه في عمل الألبسة اللائقة المظهر وذات النوعية الممتازة وليس من الداعي أن يتعب ويجهد نفسه في المحاولة أو حتى التفكير في العمل.

ولكن في حال تواجد البناء بين الخياطين فهو لا يستطيع أن يتعلم من أفعالهم السيئة لسبب عدم وجود أي ترابط بين كلا المهنتين ولكن في مجال المهنة نفسها يجب على الإنسان أن يراقب نفسه ويحذر من التعامل إلا مع هؤلاء أصحاب القلب الصافي والنقي.

تماشيا مع الأمثلة السابقة هكذا هو الحال بالنسبة لأي إنسان يخدم الخالق.فيجب عليك أن تكون يقظا وتحترس لترى إذا كان هو خادما ماهراً في عمله. بمعنى أنه دائماً يسعى بأن يكون عمله نظيف وبنية طاهرة وصادقة والقصد منه هو تمجيد إسم الخالق. ففي أقل الأحوال يجب أن يعلم بأنه ليس هو بالعامل البالغ في مهارته، ويجب أن يلتمس النصيحة والإرشاد داخل نفسه لكي يكون عاملاً بارعاً وليس عاملا عاديا يسعى وراء الربح والمكافأة فقط.

لكن العامل الماهر والجيد هو الرجل الذي لا يأخذ بعين الإعتبار المكافأة بل يرغب أكثر في أن يستمتع في عمله. فإذا أخذنا مثال الخياط الماهر، فعندما يعلم أن الملابس التي صنعها ملائمة بمقايسها على الزبون وتظهر بفائق الأناقة واللياقة على الذي يرتديها فإن رؤية نتيجة عمله ستمنحه متعة أكثر من المتعة التي سيجنيها من الحصول على الربح المادي مقابل عمله.

كذلك الأمر بالنسبة لهؤلاء الذين ليسوا من أهل حرفتك، فإنه ليس من المستحيل عليك التواجد معهم وبينهم إذا كنت تعمل في حرفة البناء وهم يعملون في الدباغة ولكن بالنسبة لهؤلاء الذين يعملون في مجال علم هذه الحكمة وهم غير مبالين في عملهم كالخياط الذي لا يهتم إذا كانت الملابس ملائمة وتوافق مقاييس الزبون بل أن فكرهم خارج عن أصول وتعاليم هذه الحكمة والوصايا والكتاب. هنا يجب عليك الحذر الدائم في التعامل مع هؤلاء وأن تكون متيقظا من ناحية هؤلاء وإبقى بعيدا عنهم. ولكن الأمر ليس هكذا مع الأشخاص العاديين.

أولا: إحذر من هؤلاء ذو الفقاهة والحذاقة في التلاعب في الأمور الروحية وتفسيرها بشكل مقنع لمنطق الإنسان وليس كما يستوجب فهمها.

ثانيا: إحذر من هؤلاء الذين يستترون وراء ستار العلم والفقه زاعمين الروحيات. يجب أن تكون على إحتراس شديد منهم .

ثالثا: ومن هؤلاء الذين على معرفة في كتابات صاحب السلم ودرسوا الحكمة لغرض إشباع رغباتهم الأنانية، كن يقظا من ناحيتهم وإحترس جداً.

والسبب في ذلك هو أن في عالم (النيكوديم)  أي ملخوت من دون زيڤوك عليها بمعنى أنها في حال كونها نقطة سوداء وفارغة وليس لديها القدرة على إظهار النور المنعكس. إن درجة (ملك دائات) والتي هي أكبر وأعلى مرتبة الملوك أي درجة (كتيير) وهي الجذر في أي درجة سقطت إلى القعر. وهذا لسبب أن (الإرادة في التلقي) والتي بدورها تجذب النور تكون على أعلى الدرجات عندما يكون لها (مساخ) لذلك كان سقوطها عظيم وأعظم من سقوط القوات الأخرى لسبب فقدانها للمساخ.

بإمكاننا تفسير هذا كما يلي. هؤلاء الناس الذين يسلكون في طريق الحق في خدمة الخالق يكون لديهم مقياس الضعف من الإرادة في التلقي للواقع المادي والواقع الروحي معا. عندما كانوا قريبين من صاحب السلم وكانوا يرتون من النور كالمتطفلين معتمدين عليه في حجم المساخ وقوة الأفيوت-الكلي،ولكن الأن وبعد رحيله فهم ليسوا بخاضعين لأي سلطة وليس لديهم أي رغبة في بذل الجهد لإكتساب المساخ لأنفسهم، أصبح همهم الوحيد أن يظهروا بمظهر المعلمين الحكماء فقط لا غير.

في هذه الحالة لدينا هنا أفيوت من دون مساخ أي مقدار كبير من الإرادة في التقبل وبالتالي يعلمون الآخرين مما عندهم. بالنسبة لي أنا ليس لدي أي ثقة من ناحيتهم ولا يستطيع أحد أن يردهم مانعا إياهم عنما يفعلون. أنا أشرت إلى هذا بشكل إيجازي لأنني لا أرغب في التفكير بهم لأنكم تعلمون أن قلب الإنسان فيما يفكر به.

لفهم الموضوع بشكل أوضح سأطرح مثالا بسيطا. من المعروف أن بين كل درجة ودرجة أخرى يوجد وسط مكون من مزيج من كلا الدرجتين معا:

* بين درجة الجماد ودرجة النباتي يوجد الوسط ويدعى (الحجر المرجاني).

* بين درجة النباتي ودرجة الحيواني (ذو الحياة) يوجد وسط وهو الصخرة في الحقل أي الحيوان المرتبط بالأرض بحبل سري ويتلقى غذائه منها.

* وبين درجة الحيواني والمتكلم يوجد وسط وهو القرد.

والسؤال هنا ما هو الوسط بين الحق والباطل؟وما هي الدرجة التي نشأت من هذا المزيج بين هاتين الدرجتين؟ قبل أن أشرح هذه النقطة أريد أن أضيف قانون كقاعدة من أجل توضيح الفكرة. من المعروف أنه من الصعب بل من المستحيل رؤية الأشياء في حجمها الدقيق والصغير بالعين المجردة ولكن من الأسهل رؤية الأشياء الكبيرة. كذلك الأمر عندما يقترف الإنسان أكاذيب صغيرة فهو لا يستطيع رؤية الحقيقة في أنه سائر في طريق الكذب والباطل. بل في الأحرى أنه مقتنع في أنه يسير في طريق الحق. ولكن لا يوجد وهم ولا كذبة أكبر من هذه والسبب هو أن هذا الإنسان لم يرتكب من الكذب بشكل متوفر وكاف حتى يكون بإمكانه رؤية الحقيقة

ولكن عندما يكتسب هذا الإنسان حياة ملؤها الكذب إلى أن تصبح حياته مغمورة بالأكاذيب لدرجة  يكون بإستطاعته أن يراها، هذا إذا كان يرغب هو في رؤيتها والإعتراف بها في نفسه، عندها يبدأ  يدرك بأنه سائر في طريق الأباطيل ويرى وضعه على حقيقته. بكلمة أخرى أنه يرى الحق في نفسه وكيف يكون بإمكانه أن ينتقل للسير على طريق الحق.

يتبع ذلك أن من نقطة معرفة الحق هذه أي معرفته أنه سائر في طريق الباطل، هذه النقطة هي الوسط بين الحق والباطل. هذه النقطة تكون بمثابة الجسر الذي يصل بين الحق والباطل. كما وتعتبر هذه النقطة أيضا نهاية الكذب، ومن هنا تكون بداية طريق الحق.

هنا نستطيع أن نرى بأنه إذا أردنا الحصول على بركة (ليشما) يجب أن نصل أولا إلى (لو-ليشما) في أكبر مراحلها عندها فقط نستطيع الوصول إلى (ليشما). وهكذا هنا (لو-ليشما) تدعى الكذب، و(ليشما) تدعى الحق. ففي حال أن الكذبة صغيرة وحفظ الوصايا والأعمال الحسنة قليل فالشخص هنا يملك جزء صغيرا من (لو-ليشما) وبالتالي لا يستطيع رؤية الحق. ولهذا السبب في هذه المرحلة يقول الشخص بأنه يسير على طريق الحق أي أن عمله في (ليشما) وأنه يصنع الحق. ولكن عندما يشغل نفسه في دراسة الحكمة ليلا ونهارا وهو في حالة (لو-ليشما) عندها يستطيع رؤية الحق بما أن أكاذيبه تراكمت وتكدست بكثرة فقد كبرت الكذبة إلى درجة يستطيع رؤيتها وأن يرى بأنه يسير في طريق الباطل وعندها يبدأ بتصحيح أفعاله.

بكلمة أخرى أنه يشعر بأن كل ما يفعله هو ضمن إطار (لو-ليشما) ومن هذه النقطة يستطيع الإنسان أن يعبر إلى طريق الحق إلى (ليشما). هنا فقط ومن هذه النقطة يبدا التطبيق العملي للقول (ينتقل الإنسان من لو-ليشما إلى ليشما). ولكن قبل هذه المرحلة إن كل ما يشرع به الإنسان هو المجادلة بأنه يعمل كل أفعاله من أجل (ليشما) وبالتالي كيف يمكنه أن يغير طريقه؟

لذلك إذا كان الإنسان يتسكع متكاسلا في العمل ومهملا فلن يتمكن من رؤية الحقيقة وبالتالي فهو منغمر تماما في الباطل. ولكن كلما زاد من جهده في البحث وفي دراسة الحكمة لهدف إرضاء الخالق، عندها يستطيع رؤية الحق أي إدراكه بأنه يخطو في طريق الباطل وأنه في (لو-ليشما). إدراكه هذا هو ما يدعى بنقطة الوسط بين الحق والباطل. إذا يجب علينا أن نكون أقوياء وواثقين بأننا نسير على الطريق الصحيح ليكون كل يوم نعيشه يوماً جديداً، فإننا بحاجة إلى تجديد أساس المعرفة والإدراك لدينا لكي نسير دائما إلى الأمام.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*