الدرس

الدرس السادس

علم حكمة الكابالا وعلم النفس – ما علاقة مستويات الطبيعة بالرغبة عند الإنسان؟ لماذا لم ينجح علم النفس في مساعدة الإنسان إلى الوصول إلى مفهوم معنى حياته وسبب وجوده في هذا العالم؟

الدورة الدراسية الحرة – المرحلة الأولى

الدرس السادس

علم حكمة الكابالا وعلم النفس

هل هناك أي علاقة بين علم حكمة الكابالا وعلم النفس؟  وما نوع التداخل بينهما؟

هناك أسلوبين من التعامل بين الناس في المجتمع الإنساني وهما الأخذ والعطاء هاتان القوتان المتناقضتان تتواجدان معاً على كل مستوى من مستويات الطبيعة.

بحسب قوانين الطبيعة كل فرد في المجتمع يتلقى حاجته من مجتمعه   وفي المقابل يتوجب عليه أن يكون عضواً فعالاً في هذا المجتمع لبنائه.

  • هل ترى هذا واقعاً في حياتك اليومية؟
  • هل تشعر بتأثير هاتين القوتين عليك في حياتك؟

تثبت العلوم حقيقة وجود قوتين في كل درجة أو مستوى من مستويات الطبيعة. وكل قوة مفعمة بالحيوية وفعالة في دورها سنعمل على شرح كل قوة على كل مستوى من مستويات الطبيعة ونصحبها بمثال للتوضيح إذا تعالوا معنا لنخوض معاً هذا النقاش ونعرف الحقيقة

كما أوردنا سابقاً بأن في الطبيعة ثلاث مستويات وهي: الجماد والنباتي والحي . وأي حدث يأخذ مجراه يكون بسبب تفاعل القوتين المتناقضتين الموجودتين في أساس بنية الخليقة.

لنبدأ بمستوى الجماد

في مستوى الجماد نحن نرى القوتان تتمثلان في المواد الكيميائية من جهة والأفعال المكانيكية من جهة أخرى. فإذا نظرنا في عملية التجوية نرى بأن التجوية المكانيكية تحدث عندما يتفاعل الهواء أو الماء مع المعادن المكونة للصخور فيؤدي إلى تغيير في تركيبها الكيميائي وانتاج مادة جديدة أو صخر جديد.

فيما يتعلق بالتجوية الميكانيكية والتي يطلق عليها أحيانا التجوية الفيزيائية هي عملية تفتت الصخور إلى أجزاء أصغر دون حدوث أي تغيير في تركيبها الكيميائي أو إنتقالها إلى مكان آخر. وتظهر هذه العملية في عدة أوجه:

العامل البري أي “الرياح والمياه والجاذبية”. فعندما تتجمد المياه في الشقوق حيث تتمدد في الصخر تعمل على تشققه. وهناك أيضاً عامل تأثير جذور النباتات والذي يعمل أحيانا على تفتيت الصخور خلال مراحل نموها. وأيضاً الحيوانات عندما تبني بيوتها في التربة أو تختبىء تحت التراب

في المستوى النباتي من الطبيعة نرى هاتان القوتان من خلال عملية التركيب الضوئي. ويتبين هذا من خلال عملية كيميائية معقدة تحدث في خلايا البكتريا الزرقاء وفي صانعات اليخضور والتي تدعى أيضاً بالكلوروبلاست في الطحالب والنباتات حيث يتم تحويل الطاقة الضوئية الشمسية فيها من طاقة كهرومغناطيسية على شكل فوتونات أشعة الشمس إلى طاقة كيميائية تخزن في روابطها مادة الجلوكوز.

وهذه العملية تتم في دورتين:

تدعى الأولى بتفاعلات الضوء وهي تفاعلاتٌ تعتمد على وجود الضو.

وتدعى الثانية بتفاعلات الظلام وهي التفاعلات التي تعمل ليلاً وفي الظلام استغلالاً للمنتجات النهارية التي أنتجت في الضوء.

 

أما على مستوى الحي من الطبيعة نرى هاتان القوتان تظهران في الخلايا والأعضاء. فالخلية هي الوحدة التركيبية والوظيفية في الكائنات الحية. فكل الكائنات الحية تتركب من خلية واحدة والتي في إنقسامها تنتج مجموعة الخلايا المتشابهة في التركيب والتي تؤدي معاً وظيفة معينة في الكائن الحي.

أما الأعضاء أي الأحشاء في الجسد فالعضو منها هو عبارة عن مجموعة من الأنسجة التي تقوم بوظيفة أو عدة وظائف معينة. هاتان القوتان تظهران بشكل خاص على درجة الإنسان والذي ينتمي إلى العالم الروحي.

أما فيما يتعلق بالإنسان فقد ظهر تطوره كنتيجةٍ لتطور الأنا فيه. ففي تواجده في مستويات الجماد والنباتي والحي في الطبيعة  نرى بأن الشخص يتطور بشكل حيوي ومستمر تحت سيطرة الأنا والرغبات الأنانية والتي تتغلب على الرغبة الفطرية والساذجة فيه لتصبح أكثر تعقيداً.

تقسم الرغبات إلى نوعين

الرغبات الجسدية والتي تتجلى في حاجات الإنسان في البقاء والإستمرار كالطعام والجنس وبناء العائلة وللرغبات الإنسانية في تحصيل الثراء والإحترام والسلطة والمعرفة، وتتجلى أيضاً في الرغبات الروحية.
فإذا جزأنا محور الزمن لتطور البشرية نجد أنه منذ حوالي القرن الخامس قبل الميلاد وحتى الخامس بعد الميلاد كان العالم يطمح إلى الثراء. طبعاً إن تحديد الزمن قابل للمناقشة وتنازع الأراء وذلك يعتمد على نوعية الحضارات المختلفة التي ظهرت في هذه الحقب الزمنية.
ومن القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر نجد بأن الرغبة في تحصيل السلطة تعاظمت. فالعصور الوسطى لم تكن المرحلة الزمنية التي نجد فيها أن الإنسانية قد فتر نموها وكأنها وصلت إلى مرحلة الجمود، لا بل أنها كانت في الواقع مرحلة نمو داخلي عميقٍ والذي تمثل في الأحداث المختلفة لهذه المرحلة الزمنية.

أما المرحلة التالية لنمو الرغبة تتحدد من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين والتي فيها ظهر الطموح وراء المعرفة. وبعد ذلك أخذ كل شيء بالتضاؤل حتى بداية القرن العشرين حين ظهور حقبة جديدة والتي بدأت فيها ظهور الرغبة والإدراك الحسي لمعرفة الإنسان لمعنى الحياة.

بالرغم من أننا نجد أول تساؤلات في موضوع علم النفس في عصر مصر القديمة باللغة الهيروغليفية، وفي كتابات الفيلسوف الإغريقي أفلاطون لكنها جميعها أتت على مستوى خارجي ولم تمس جوهر الإنسان الداخلي بما أنه في هذه المرحلة لم يظهر علم النفس على مستوى العامة

فعلم النفس هو الدراسة الأكاديمية والتطبيقية للسلوك والإدراك والآليات المستنبطة لهما.

علم النفس هو الدراسات العلمية للسلوك والعقل والتفكير والشخصية ويمكن تعريفه بأنه الدراسة العلمية لسلوك الكائنات الحية وخصوصاً الإنسان وذلك بهدف التوصل إلى فهم هذا السلوك وتفسيره والتنبؤ به والتحكم فيه  ولكن وبعد مرور الفترة الأولى من نمو علم النفس بدأت تظهر خيبات الأمل في قدرته على مساعدة الإنسان إذ أنه كان محصورا في تهدئته بدلا من إظهار مراحل نموه ومساعدته على تنمية رغباته.

لذلك أخذ علم النفس يتضاءل في تأثيره وفعاليته ليتحدد دوره في التطبيقات العملية وفي تطبيق نظرياتٍ مختلفةٍ ونشر مقالاتٍ متنوعةٍ هدفها فقط إراحة الناس، وأخذت النتائج صبغة الخدمة إذ أصبح علم النفس في خدمة إخماد رغبات الناس بدلا من تنميتهم والوصول بهم إلى أعلى مراحل نمو الرغبة، أليس هذا هو الهدف من علم النفس.

أما الآن فتعالوا لننظر إلى الموضوع من وجهة نظر علم حكمة الكابالا

من منظور علم حكمة الكابالا تتواجد هاتان القوتان في الطبيعة،   قوة العطاء أي القوة الإيجابية، وقوة التقبل أي القوة السلبية وتتبلور هاتان القوتان على درجات البيولوجية والجسدية والأخلاقية. وتتجلى في نظام متوازن في الطبيعة.

فإذا كانت هاتان القواتان متوازنتان في الجسد الإنساني يكون الجسد صحي وصحيحٌ. وأيضاً إذا كانت هاتان القوتان متوازنتان في الطبيعة يعني أن الطبيعة في حالة راحةٍ تامةٍ. فإن عدم التوازن هو الذي يؤدي إلى كل أنواع الحركة.

إن عدم التوازن ضروري في الطبيعة لأنه يجلب الحياة إذ أنه نتيجة التفاعل المستمر بين القوتان ولكن في حدود معينة وإن الإختلاف الذي في العلاقة بينهما هو الذي يبدع الحياة.

فعلى سبيل المثال إن إتساع وإنقباض الصدر في عملية الشهيق والزفير وخفقان القلب وكافة الأعضاء الأخرى جميعها مبنيةٌ على نظام الحركة المتبادلة للقوتان المختلفتان والتي تدعم الواحدة الأخرى بشكل كامل متممةٌ كل واحدة عمل الأخرى. والحياة هي نتيجة هذا التفاعل والتي تظهر وتستمر بناءً على التفاعل المضبوط والمتناغم والمنسجم لهاتين القوتين خلال عملية النمو المتزايدة سنصل إلى نقطة فيها يبلغ الجنس البشري بكامله إلى هذا النوع من التفاعل المتناغم في التعامل معاً.

وكما أن عملية التنفس تعمل في تناسق بين الشهيق والزفير هكذا التناسق يجب أن يكون بين قوة العطاء وقوة التقبل في التتفاعل لتكمل الواحدة عمل الأخرى. نستطيع العيش في حالة انسجام وتوازن معاً عندما تكون قوة العطاء تساوي قوة الأخذ.

فالطبيعة هي التي تأتي بنا إلى حالة التوازن هذه إذا كان لدينا العزم والنية للوصول إلى هذه النقطة إذ أن التوازن هو الإتجاه العام للطبيعة.

نحن لا نستطيع عمل أي شيء لتغيير قوانين عمل الطبيعة، فالتوازن هو القانون الذي بني عليه الوجود بكامله. كل ما نستطيع عمله هو إدراك كيفية تطبيقه في طريقة تعاملنا مع أفراد البشرية ومع البيئة لنصل إلى حد نستطيع فيه الوصول إلى الهدف النهائي براحة وسهولة.
من المتعارف عليه منذ القدم أن علماء الكابالا برغبتهم في إظهار العالم الروحي كان يتوجب عليهم أن يبدأوا من عالمنا ليمهدوا الطريق أمامهم من خلال دراستهم وبحثهم في أنواع العلوم المختلفة والتي تتطلب منهم جهودا عظيمة ومعاناة أعظم أي أنه توجب عليهم إنتزاع أنفسهم من المادة ذاتها التي عملوا منها ليأتوا بأنفسهم إلى مرحلة يكونوا فيها قادرين على إظهار العالم الروحي وإظهار نظامه في نوع الترابط بين البشر بشكل صحيح.
ولكن بعد ذلك ظهرت كتابات الآري والتي شرح فيها نوعية الترابط الداخلي الذي يوحد الناس من خلال نظام خاص من العلاقة المترابطة نرى أن نوع الترابط في العالم الروحي نفسه في عالمنا هنا  إلا أن الفارق الوحيد هو في النية وراء الإرتباط فأن الترابط في العالم الروحي قائمٌ على ميزة العطاء على عكس ما هو في العالم المادي.

فكما الحال في نوعية شبكة ترابط العلاقات فيما بيننا في عالمنا هنا هكذا الوضع أيضا بالنسبة للعالم الروحي إلا أن شبكة الإرتباط هذه داخليةٌ أي ترابط النقاط في القلب عند البشر بعضها مع بعض.

وهكذا نتحول من علم النفس المادي إلى الروحي والذي من خلاله نُظهر الترابط الحقيقي بين أجزاء النفس البشرية المبعثرة.

لقد شرح لنا عالم الكابالا الآري بكل التفاصيل أجزاء شبكة الترابط بين النفوس وواقعية عمل الترابط في يومنا هذا، أنه من خلال عملنا وترابطنا في المجموعة نستطيع جذب النور الذي يقوم بتصحيحنا من خلال نظام هذه الشبكة. لسنا أننا نحرز الترابط عن طريق رغباتنا وقوانا الجسدية بل بالأحرى عن طريق جذب النور المحيط النابع من نظام شبكة الترابط في العالم الروحي هو الذي يقوم بتهذيبنا وإصلاحنا.

إذا قمنا بدراسة بنية هذا النظام عاملين على تحقيق أسلوب الترابط نفسه فيما بيننا عندها يكون من غير المهم فهم التفاصيل التقنية لهذا النظام، فليس بالمعرفة نستطيع الإحراز بل بواسطة الجُهد الذي نبذله  إذ أن الجهد هو الذي يوقظ تأثير القوى العليا علينا.

وكما هو الحال في عالمنا إذا أراد الشخص إحراز أي نظامٍ في أي مجالٍ ما يجب أن يندمج هذا الشخص بهذا النظام ليصبح جزء منه ليستطيع الإحساس به عند دراسته له، هكذا الحال عند دراسة نظام العالم الروحي، فعندما نصل إلى مرحلةٍ نستطيع الإحساس به، فجأة تظهر صورة هذا النظام في داخلنا وندرك كيفية عمله ونظام الإرتباط به.

وأما بالنسبة للتغيير الذي يحصل في الإنسان، الشيء الوحيد الذي يتغير هو النية عنده تجاه أي عملٍ ما يقوم به، وعندما يصبح الشخص جزء من هذا النظام يصبح عمله من خلال ميزة العطاء، وكلما زاد إرتباطه به كلما زاد تقدمه نحو إظهار عمل هذا النظام ليعلم كيفية العمل مع القوى العليا “سمة العطاء” والإرادة في التقبل التي فيه ليجمع عملها في انسجامٍ تامٍ.

هذا عملٌ عظيمٌ جدا ويتطلب من الإنسان العمل في الدراسة مع المجموعة وتحت توجيه عالم كابالا. كان معروفا عن صاحب السلم إحترامه لعلم النفس المادي بما أنه فتح الباب أمام علم حكمة الكابالا. يتكلم علم النفس عن قوات نفس الكائن الحي والتي تتواجد في عالمنا هذا على درجة الوجود الدنيوية.

يتكلم علم الكابالا عن نمو هذه القوات في الإنسان عندما يبدأ هو بالنمو.  ويعود الفضل في ذلك إلى الشرارة الروحية في داخله “النقطة في القلب”  والتي هي جزءٌ من نفس أدم لتيقُظها ولعمل النور في تصحيح الرغبات لتتمكن النقطة في القلب من النمو.

فإن النور يؤثر على الإنسان وكأنه شيءٌ من الخارج ولكن في الحقيقة إن يقظة النور تأتي من داخله توافقا وانسجاما مع طلبته مناجيا الخالق في الرغبة من الإقتراب منه. عندما تبدأ النقطة في القلب في النمو يشعر الإنسان بقوة النفس العظيمة وهذا يعني بداية نمو سمة العطاء فيه، وكلما أحرز من التقدم كلما زاد نموه ليعي درجات قوة النور إذ أن لكلٍ منها  جذوره الروحية الخاصة بها،

ومباشرة تعمل هذه القوات معا رابطة الشخص بلغة علم حكمة الكابالا. ولكن يجب أن نعي بأن كل هذه القوات هي قوات النفس الداخلية في الإنسان. هذا هو علم النفس الروحي، علم حكمة الكابالا.

 

الأسئلة

إشرح منظور علم حكمة الكابالا للقوتين الموجودتين في الطبيعة؟

ما هو دور النقطة في القلب عند الإنسان في عملية التصحيح؟

ما القوتان اللتان تتواجدان في الطبيعة وما ميزة كلٍ منهما؟

ما هي أنواع الرغبات وكيف تتبلور في كلٍ من مستويات الطبيعة؟

عرف علم النفس؟

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*