www.hikmatelzohar.com-95

الروحية

إن السؤال “ما هو هدف حياتي” هو بداية ظهور الرغبة عند الإنسان في إظهار وحي ومعرفة الخالق. فأنا أريد أن أعلم من الذي خلقني ومن أين نشأت ومن الذي يدير حياتي؟ من الذي خلق الكون من حولي ولماذا وضعني هنا في داخل هذا العالم الكبير؟ ما الذي يطلبه مني في كل لحظة من حياتي؟ لماذا يعطيني من قلة الراحة دافعا إياي نحو المجهول؟ جديد

عندما تبدأ هذه الأسئلة تتناثر في ذهني وبين أفكاري تصبح وكأنها السم الذي يبغي في القضاء على حياتي إذ لا يعود بإستطاعتي العيش من دون إظهار معرفة الخالق، لأنه هكذا صنعني الخالق إذ كونني تاركا بصمته في داخلي وعلى جميع رغبات قلبي. فإن رغباتي كالقالب الذي يعكس تأثير النور علي، وإلى أن أجذب النور إلي لأملء به هذا القالب فأنا لن أستطع أن أجد الراحة في حياتي بل تصبح هذه الحياة أسواء من الموت عندي وأصل إلى مرحلة أقدم فيها على عمل أي شيء مقابل إيجاد ولو المقدار القليل من الإكتفاء في داخلي لأستطيع الإستمرار في العيش.

لذلك إن واجبي محصورٌ في توضيح كيفية إظهار النور وفي كيفية حصولي عليه، وطبعا هذا عمل ليس بقليل ولا هو أمرٌ بسيطٌ فإنه من أجل هذا بالضبط دعيت حكمة الكابالا “حكمة التقبل”. إن كلمة التقبل أو القبول في العالم الروحي ذات معنى مخالفٌ لما هو متعارفٌ عليه في عالمنا هذا الذي نعيش فيه، فمثلا إذا كنت عطشانا أشرب قليلا من الماء لأطفىء ضمئي، لا يمكنني في العالم الروحي أن أشبع رغبتي هكذا وبشكل مباشر، فليس الأمر على هذا النحو لأن الخالق لم يعطني رغبة مهيأة لقبول النور ولكن يحب علي أولا تنقية الرغبة وتصفيتها بوضوح، فهو يريدني أن أتحقق من الذي أريده،أي من معرفتي للنور ومن إدراكي المؤكد بأن النور هو الذي فيه أعظم شعور بالإكتفاء التام لرغبة قلبي والذي تصبو نفسي إليه. وهو يريدني أن أجرب كل أنواع الرغبات وكل أساليب الإكتفاء إلى أن أصل إلى مرحلة أثبت لنفسي فيها مؤكدا ما أريده مقتنعا بأن النور هو الشيء الوحيد الذي أريده.

فالخالق غيورٌ جدا ومن الصعب إرضائه فهو يريدني أن أحبه لوحده فقط وهو يؤكد لي هذا بإظهاره في داخلي كل هذه النزعات والميول التي من الممكن أن تستحوذ على رغباتي لأصل إلى القرار الحاسم في أنني لا أرغب في أي شيء آخر بجانبه وأنه هو الوحيد دائما وسيبقى إلى الأبد الوحيد في حياتي دون غيره. كما ورد في مزمور الملك داود إذ قال:”أنظر ما أطيب الرب”.

أن العلوم الروحية هي اسمى ما يمكن أن يبلغه البشر باجسادهم الفانية و هي الطريقة الوحيدة التي تتيح لنا معرفة الخالق و التوحد به. لكن  وبالرغم من ذلك هي علوم يصعب علينا الوصول لها لاننا صرنا كالعمي المحبوسون في اطار الحواس المادية و لا نقدر على الرؤية خارج هذه الحواس  
 في حين وجود الرغبة  لا يوجد مستحيل على أي أحد ولا شيء يصعب مناله الخالق هو الذي يكشف البصيرة وهو الذي يفتح القلب للعلم ليرتقي بالإنسان إلى أعلى درجاته فالصعوبة ليس بمحاولة فهم العلم من خلال منطقنا بل أن الفهم الحقيقي هو من خلال القلب فلا تدع القلق يحجب عنك بركة الخالق ونحن نعمل كل ما بجهدنا لنوفر ما تحتاجه ، فإجعل الخالق سندك ومعتمدك
ما معنى الروحية؟

بالرغم من أن الجميع يشعرون بأنهم يعلمون ما هي الروحية ولكن في الحقيقة ليس لديهم أي نوع من الترابط مع العالم الروحي ولا حتى أي فكرة عنه. يفتكرون بأنهم قادرون على فهم العالم الروحي ومعنى الروحية من خلال الموسيقى والعلم أو علم النفس الشائع. ولكن العالم الروحي الحقيقي يمكن فهمه فقط عن طريق دراسة علم حكمة الكابالا إذ أنه نظرية موجزة وواضحة ويجب أن تدرس من قبل معلم كابالا حقيقي. فلا الموسيقى أو أي من التجارب النفسية المشبوهة أو المريبة تستطيع أن تصل بالإنسان إلى إحراز العالم الروحي. فبإمكان أي شخص تسمية ما يكتشفه من خلال التأمل والتمارين التي تصتحبه أو الموسيقى الخاصة به على أنها “عالم روحي” ولكن كل هذه ليست بالروحية أو العالم الروحي الذي أتكلم عنه.

إن العالم الروحي الذي أتكلم عنه يكون من الممكن إظهاره فقط من خلال علم حكمة الكابالا. فدراسة نظرية الكابالا تتكون من نظام مركب يشمل عمل الإنسان نفسه والذي من خلاله يستطيع أن يجذب عليه نورا خاصا. هذا النور يحتوي على قوة خاصة والتي تعمل على إيقاظ الرغبة للروحية فينا وهي الرغبة التي يشعر فيها الإنسان، فبالرغم من أنه يعيش في هذا العالم ولكن عقله ورغبات قلبه تعمل على موجة أو درجة مختلفة تماما وكأنه يخترق بهما عالما آخرا أو حاجزا غير مرئي. هذا إحراز من غير الممكن أن يكون واضحا للعيان أو أن يمنح لأي شخص آخر، والإنسان الذي لم يتوصل لهذا بنفسه يكون من الصعب فهم هذا الإحساس وتفسيره إذ أنها تجربة فريدة من نوعها وحميمة بشكل تام إذ أنها حس وشعور قوي يتمكن الإنسان من الوصول إليه عن طريق دراسة علم حكمة الكابالا فقط.

حكمة الكابالا هي طريقة ونظرية اكتشاف العالم الروحي وإحرازه من خلال إرتقاء الدرجات الروحية. من الممكن أن تكون الموسيقى كابالية ولكنها ثانوية كما في إرتفاع الحرارة أو إنخفاض الضغط والتي تعتبر أشياء ثانوية في أي العمليات الكيميائية، فكلما سعينا في إحراز درجة معينة والحصول على نتيجة محددة نتلقى بعض الأشياء الثانوية

كيف يتمكن الإنسان من الوصول إلى أول درجة روحية ولأول مرة في حياته؟

عندما يصل الإنسان إلى مرحلة يستطيع فيها تغيير هدفه من التلقي لإشباع ذاته إلى التلقي من أجل إرضاء الخالق عندها يستطيع إحساس محيطه والذي كان مخفيا عنه من قبل بسبب أننا كنا محصورين داخل إطار طبيعتنا الأنانية أي داخل إطار الأنا. الإحساس الجديد هو ما يدعى بالإحساس بالعالم الأعلى، أي خارج إطار الأنا ومكان تواجد الخالق. قوة شعور الإنسان تعتمد على قوة رغبته في العمل من أجل الخالق. هذا الكم يعتبر الدرجة الروحية الأولى وهو أيضا الدرجة الجذرية والأساسية.

بعد تخطي الدرجة الأولى نحصل على رغبة أخرى موجهة لإشباع الذات لدينا وهذا ما يعطينا الشعور بالإنحدار والسقوط من هذه الدرجة، وهذا الإحساس بسبب أن الخالق قد أظهر لنا جزء آخرا من رغبتنا الأنانية والتي بحاجة إلى تصحيح. إذا الشعور “بالإنحدار أو السقوط” هو الإحساس بالدرجة التالية. في كل مرة يصحح الإنسان نيته نحو الهدف للتلقي من أجل إرضاء الخالق وليس لإشباع ذاته يتم تعديل وتحسين هذا السقوط ليرتقي الإنسان إلى درجة جديدة.

الحقيقة يتوجب على الإنسان في أن يتوق ويطلب ملتمسا التصحيح وإن العمل بكامله هو عمل الخالق وحده.

كيف أستطيع خلق النية الصحيحة في داخلي؟

ليتمكن الإنسان من الإحساس بالخالق ونوره لا بد أن يبني في داخله النية في تلقي الملذات من أجل إرضاء الخالق وليس ذاته، كما الضيف الذي يتلقى من المضيف ما يقدمه له من أجل جلب السرور له وليس لسبب أنه بحاجة له، ولهذا يجب على الإنسان قراءة النصوص والمقالات الصحيحة. يوجد هناك قوى واحدة لا غير والتي بإمكانها تحريرنا من طبيعتنا الأنانية لتضعنا على الطريق الصحيح نحو الهدف الصحيح، هذه القوى هي قوى النور المحيط والذي يجتذبه الإنسان من خلال دراسة علم حكمة الكابالا.

خصصت كتب علم الكابالا والتي تحتوي على الكم الكافي من النور لتصحيح طبيعة الإنسان الأنانية، وخاصة منها كتابات صاحب السلم والراباش وكتابات الآري وكتاب الزوهار لعالم الكابالا الراشبي.

 إذا قمت بقراءة أو دراسة النصوص في المساء وتابعت التفكير بها أثناء النوم فهل يعتبر هذا جزء من العمل والتقدم الروحي أيضا؟

الحالة التي تصفها ليست ظاهرة روحية بل نفسية. فإن نفس الشيء يحصل إذا قرأت أي نوع من النصوص بغض النظر عن موضوعها قبل أن ترقد للنوم. مع ذلك فإن الدراسة قبل ذهابك للنوم والإستمرار في الإحساس بالنص خلال النوم يعتبر شيء مفيد جدا. فنحن بالعادة نقوم بالدراسة في الصباح وقبل الفجر قبل الذهاب إلى العمل في الصباح. نصيحتي لك هو في الدراسة ساعة في الصباح وأن تتابع قراءة النصوص والمقالات في المساء.

 أشعر بالخجل في القول أنني كلما بادرت في قراءة النصوص التي تشير إليها يغلبني النعاس وهذا ليس بسبب أنني لا أملك الرغبة أو ليس لدي إهتمام ولكن هذا يحصل لي ضد رغبتي. حتى لو أنني لا أرغب في النوم أشعر وكأنني تحت تأثير منوم. ما الذي أحتاج عمله؟ ولماذا هذا يحصل لي؟

في البداية، أريد أن أوضح أن هذا هو تأثير النور المحيط على الإنسان. فعندما يأتي الإنسان إلى الدراسة بالرغم من إحساسه بالتعب والإرهاق أفضل بكثير من كونه مرتاحا جسديا ولكن مرهق فكريا. فإن نور الكابالا يتأثر بكمية الجهد الذي يبذله الشخص في الدراسة والبحث وليس بعدد الصفحات والمقالات التي يقرائها. بإمكانك أن تتصفح كتاب دراسة السفيرات العشر بكامله وبشكل تام ومع هذا لن يكون بإمكانك فهم أي شيء على الإطلاق، وبالمقابل بإمكانك دخول العالم الروحي وإحراز هدف الخليقة بالرغم من عدم معرفتك لدراسة السفيرات العشر.

في دراستك بالطريقة الصحيحة للنصوص متتبعا التعليمات التي أعطيك إياها بإمكانك أن تتأكد أكثر فأكثر بأن كل شيء يسير بحسب الخطة الإلهية لوصولك إلى الهدف النهائي. وعندما تصل إلى مرحلة لا ترغب فيها النوم تعلم بأن الفترات التي كنت تستسلم فيها للنوم بعدم الرغبة ساهمت في نموك الروحي الذي توصلت إليه. الخالق هو الذي يمهد السبيل أمامنا وكل ما نحتاج إليه هو أن نترك عنان أنفسنا له وهو يقودنا في الطريق الصحيح

 ما المقصود بالقيام بالأعمال الحسنة من خلال جهودنا الداخلية التي نبذلها في التصحيح؟

الأعمال الحسنة هي الأعمال التي تهدف نحو تحقيق هدف الخليقة ونحو إلتصاقنا بالخالق من خلال التوازن الشكلي في السمات. فإن كل عمل تصحيح لنفوسنا ومساعدة الآخرين في التصحيح بما أننا جزء من النفس الواحدة ما يدعى “العمل الحسن” إذ أن كل عمل من الأعمال الحسنة يظهر حسن الخالق وجوده إذ أنه”الجيد والذي يغدق الخير على الجميع”.

 كيف يطمح الإنسان إلى عمل الخير مع العلم أنه من المستحيل إنجازه من خلال طبيعتنا الأنانية؟

يجب على الإنسان أن يحاول جهده ليرى بنفسه كم أنه من الصعب تخطي العقبات في العمل بعكس طبيعته البشرية، فكيف بإمكانه المعرفة من دون أن يخوض التجربة بنفسه؟

إن حصولنا على النور يأتي فقط من خلال الجهود التي نبذلها، عندها إذا وضعنا كل تركيزنا نحو الخير نستطيع إدراك وفهم شر طبيعتنا البشرية.  فإذا ظننا أننا أناس جيدون وخيرون ونشهد لهذا عندها بالتحديد نستطيع إظهار المرحلة التي توصلنا إليها في نمونا الروحي.

إن الشيء المهم الذي يجب أن نتذكره هو قراءة النصوص على قدر المستطاع، فكلما أكثرنا من القراءة كلما إزدادت معرفتنا لطبيعتنا بشكل أسرع.

 ما الفائدة التي أجنيها من دراسة علم حكمة الكابالا بما أن دراستها تؤثر على القلب وليس على فكر الإنسان؟

أثناء مرورنا في المراحل المختلفة من دراستنا نحن نجتذب النور المحيط والذي يطهر قلوبنا ويقودنا تجاه الخالق

 

ما معنى المصطلح “النقطة التي في القلب”؟ وهل كل شخص منا يملك أو لديه هذه النقطة؟ 

كل إنسان لديه نقطة في قلبه ولكن الكثير منا لا يشعر بها لانهم ليسوا بعد بالغين حتى يكون بإمكانهم الشعور بها. في دورة الحياة يأتي الإنسان إلى مرحلة أو موقف معين يعي وجود النقطة في قلبه وهنا عندما يبدأ الشخص بالشعور برغبة تجاه العالم الروحي والقوة العليا. ولكن إذا كان الشخص لا يظهر أي إهتمام بالعالم الروحي فهو إذا غير مستعد له، ويكون من الإكراه المحاولة لإيقاظ هذه الرغبة فرضا. ولكن إذا كان لدى الشخص إحساس بالحاجة لمعرفة العالم الأعلى عندها يجب علينا مساعدة هذا الشخص. في كلا الحالتين  ليس هناك مكان للإكراه والإجبار بالقوة. يقول علماء الكابالا بأن الشخص الذي لا يستطيع الإستمرار في العيش ولو ليوم واحد من دون حكمة الكابالا هو الشخص الذي يبذل كل جهده في البحث والدراسة.

النفس والنقطة في القلب، هل هما مصطلحين مختلفين لجوهر واحد؟

إن الرغبة التي خلقها الخالق لتبتهج وتسر  به ” بنوره “تدعى النفس. هذا الرغبة تبقى دائما في حالة صحيحة ومثالية وملتصقة وملتزمة بالخالق كما في وضعها الأول حين وجدت. لتكون النفس قادرة على إحراز المكانة التي كانت عليها والتي من حقها وأيضا أن تعادل وتوازن سماتها بسمات الخالق مستقلة عنه فصلها الخالق عنه بإعطائها سمات  معاكسة لسماته. بسبب هذا فقدت النفس القدرة على الشعور بوجود الخالق والأبدية والكمال، وألبست جسدا ماديا وأعطيت إرادة للتمتع والحب للذات. من خلال هذه الإرادة تشعر النفس بما ندعوه: “هذا العالم”. ولكن للعودة لمكانتها الأولية والأصلية والحقة والكاملة ولقدرتها على الشعور بالخالق، يجب على هذه النفس أن تنمو في سماتها المشابهة لتلك التي للخالق وكأن هذه السمات تولد وتوجد فيها من جديد. النفس في حالها الأصلية والكاملة تتألف من ذات مقدار النور النابع من الخالق، فهي ممتلئة بهذا النور. وكلما إبتعدت هذه النفس عن الخالق كلما ضعفت رغبتها. في أبعد مكان من تواجد النفس من الخالق تبقى هناك نقطة صغيرة من النور الذي كان فيها (نقطة صغيرة في الحجم والقوة). في هذه الحالة يكون بإستطاعتنا فقط الشعور بإرادتنا في تمتيع جسدنا الحي، ولكن النقطة الموجودة في كل شخص منا بإستطاعتها أن تبدأ في (التكلم).

النفس الأولى مقسمة إلى ستمئة ألف جزء. كل جزء منها ينشأ وينمو تدريجيا من هذه النقطة إلى مرحلة الكمال أي الجسد الروحي الكامل النمو “يصل إلى ٦٢٠ مرة أكبر مما كان عليه”. على مدى الستة الآف من مراحل التصحيح المتتابع والمسمى سنين ودرجات – في البداية نشعر بالنفس وكأنها نقطة في القلب وفي وسط كل الرغبات يوجد الغرور (الأنانية) في الإنسان. توجد النفس في كل إنسان في العالم ولكن ما هي النفس؟ وعلى أي درجة توجد؟ هذا شيء يتوجب علينا إكتشافه.

 ما معنى التصحيح؟ ومن هو الذي يتوجب عليه إصلاح نفسه؟ 

الرغبة التي خلقها الخالق تدعى “المخلوق – الكائن الحي” أو “المادة ” التي كونت منها الخليقة. ولكن هذه الرغبة لا يمكن إشباعها بشكلها البدائي لأن وفي اللحظة التي يمتلئ فيها الإنسان بالبهجة والسرور يتلاشى هذا السرور. إن نية الخالق من البداية هو عمل هذه الرغبة بشكلها الكامل ولكن هذا ممكنا فقط في حالة التشابه والتساوي لهذه النية مع سمات الخالق في الإغداق والعطاء  وأن يكون هذا نابعا من حرية الإنسان. لأن هذه السمة “العطاء” ليست محدودة بالشعور والأحاسيس البشرية في إستخدامها، هكذا يستطيع الإنسان إحراز منزلة الكمال – القداسة – والحياة الأبدية. الإنسان والذي هو هدف الخليقة ملزم في تغير إرادته من محبته للذاته إلى رغبته في مسرة الخالق.  عندما يحصل المرء على هذه النية في قلبه، فالرغبة للسرور تصبح متوازية مع تلك التي للخالق في العطاء. وبالنهاية يتوصل الإنسان إلى مستوى القداسة وهذا بالإستعمال الصحيح لسمته الوحيدة  –  تقبل السرور 

إن تغير النية في رغبة الإنسان يكون على مراحل:

١)  تفادي إستخدام الرغبة في إطارها البدائي.

٢)  الإنعزال إلا  عن الرغبات الحسنة والنبيلة وذات الكفؤ في نوعيتها ومقدارها وإستخدامها لإرضاء الخالق.

٣)  النمو الروحي ومعرفة الخالق (وهذا ممكن فقط بعزل الرغبة وتصحيح سعي الشخص نحو الهدف).

المرحلة الأولى والثانية يدعيان “التطهير” وكبقية أنواع  ومراحل التصحيح، الخالق هو الذي يقوم بالتصحيح وليس الإنسان نفسه. المقصود هنا أن التصحيح يأتي من الدرجة الروحية الأعلى من التي يوجد فيها  المخلوق “الإنسان”. فالمخلوق لا يملك القوة ليقوم بتصحيح نفسه. هدف الإنسان ببساطة هو الوصول إلى مرحلة الرغبة في التصحيح _ يرسل الدعاء إلى الخالق _ ويتوسل طالبا  التصحيح وعندها يستجيب الخالق له ويقوم بالإصلاح.

 

 إذا كان الخالق موجودا إذا من المتوجب أنه يرعى كل إنسان في العالم في محبة أبدية. إذا لماذا نرى أنه يعاقب الكثير من الناس؟

وجهة نظرك هذه تشير إلى الدرجة التي تتواجد فيها إذ أن كل إنسان يستخرج نتائج وخلاصة ما يحدث من حوله بناء على درجة نموه الروحي. ولكن عندما نرتقي للعالم الروحي تصبح نظرتنا إلى العالم وإلى كل ما يحدث فيه مختلفة جدا عنما كانت عليه قبلا، حتى وجهات نظرنا وآرائنا تتغير. ونرى العالم على أنه مكان جيد ومثالي.

ولكن في وضعك الحالي أنت قادر على رؤية جزء صغير جدا من الواقع لذلك من الصعب عليك فهم وتبرير الخالق وأعماله. أنا أعلم هذا من تجربتي الخاصة.

دعنا ننتظر إلى أن يظهر الخالق نوره لك وعندها تستطيع تبرير أعماله. فالذي يبرر الخالق في أعماله يدعى بالبار. إذ يجب على الإنسان أن يصل إلى درجة “البار أو الصديق” كي يستطيع اكتشاف ومعرفة الخالق وجميع أعماله ويعرف كل شيء عنه ليكن بإمكانه تبريره. ولهذا السبب يجب أن نتوازن معه في السمات للوصول إلى هذه الدرجة الرفيعة.

  هل من الممكن جلب الرضا والإكتفاء للخالق من دون أن أتخلى عن أي شيء في الحياة أو حرمان نفسي من متعها، أي من دون أن أقوم بالتسومتسوم ولكن يكفي أن أغير نيتي وهدفي من إشباع ذاتي إلى إرضاء الخالق؟

عندما تصل إلى مرحلة فيها تستطيع التعمق في إحساس طبيعتك الأنانية بوعي وإدراك حاد عندها تستطيع أن تعي كيف أنه من الطبيعي أن تؤخذ بمتاهاتها وتنخدع بها. فإننا نملك طبيعة محنكة وحاذقة وإن كل عمل يظهر منها يبدو لنا بأنه عمل حقيقي وصالح وصادق ومرغوب به، إذ أنه من المستحيل إدراك أن جميع الأعمال التي نقوم بها والجهود التي نبذلها موجهة نحو هدف واحد وهو إشباع ذواتنا فقط. لذلك يجب علينا الحرص من الإنجراف وراء شهواتنا، فهذا هو الحصر “التسومتسوم” الذي تتكلم عنه الكابالا، أي القرار في عدم الإنسياق وراء شهوتنا الدنيوية. لكن وبعد حين نصل إلى درجة أو مرحلة من التصحيح لرغباتنا الأنانية يصبح لدينا القوة في عدم المبالاة بها.

فقط بعد الوصول إلى هذه المرحلة من الوعي والإدراك وبحسب درجة التصحيح التي نصل إليها نبدأ في التفكير في أفعالنا والتحكم بها ما إذا كانت لهدف إشباع الذات أو من أجل إرضاء الخالق. وهكذا نحن نرى أن التصحيح يتم على عدة مراحل متتابعة والتي تبدأ بعملية الحصر “التسومتسوم” وهي ضرورية ولا بد من خوضها.

 

كيف أستطيع إحراز درجة روحية أعلى من التي أتواجد فيها؟

عندما يود الإنسان في الصعود إلى الطابق العلوي يستخدم جسده لينتقل من درجة إلى أخرى. في العالم الروحي يجب على الإنسان استخدام جسده الروحي” النفس التي تنمو فيه” وغايته أو هدفه الذي يسمو إليه. فإن الهدف ينمو ويتجلى أكثر فأكثر كلما زاد تقدم الإنسان في العالم الروحي.

في نمونا نحو الهدف نعلم أن أحاسيسنا تتغير. ولكن إذا كانت أحاسيسنا تتغير بشكل مستمر كيف نستطيع أن نغيير أنفسنا؟ الطريقة الوحيدة هي بإتباع أسلوب”الإيمان فوق المنطق”. فمثلا عندما ننوي في صعود السلم نضع ثقتنا في أن كلا من الدرجات التي سنرتقي إليها قادرة على حملنا والصمود بنا بالرغم من أننا لا نقم مسبقا بتفحص قوتها وصلابة بنيتها ومدى متانتها بل نثق ثقة عمياء بأنها قادرة على أن توصلنا إلى المكان الذي نريد الوصول إليه. هكذا الأمر أيضا بالنسبة لإرتقاء درجات العالم الروحي إذ يجب أن نثق بسمات الدرجة التالية ونقبل بها بالرغم من أنها تتعارض مع طبيعتنا وتبدو صعبة وكأنه من المستحيل الوصول إليها.

إن القدرات الموجودة في الدرجة الأعلى تجيز لنا تبني طبيعة الخالق أكثر من قبل، ولكن في تفكيرنا المنطقي يبدو وكأننا عاجزين عن الوصول إلى هذه الدرجة بما أن سماتها تتناقض مع طبيعتنا وهذا أمر صحيح، لذلك يبدو لنا وكأنها مجاذفة عظيمة والمعتوه فقط من يقدم عليها،لذلك يجب أن ننظر إلى موضوع تبني سمات العطاء بإيمان فوق المنطق لدينا. إذا نجحنا في هذا، يرتفع بنا الخالق إلى الدرجة الروحية الأعلى ويقربنا منه. وكالجنين في الرحم يجب أن نلتصق بالخالق إذ لا يوجد أي وسيلة أخرى للوصول إلى الدرجة الأعلى غيره. وهكذا نحن نعلم الآن حاجتنا لمعونة الخالق لذلك نحتاج للنظر للأمر من منظور الإيمان فوق المنطق بدلا من محاولتنا في تحليل وفهم الأمر بمنطقنا. يسهل الأمر علينا من خلال تواجدنا مع المجموعة والتي تساعد كل إنسان على تقبل رأي الآخرين بالرغم من عدم توافقه معهم. وهكذا يجب أن تصبح المجموعة المكان المناسب لتهيء الإنسان ليكون قادرا على التقدم بواسطة الإيمان فوق المنطق. فعندما أتفحص سلوك صديقي تجاهي فأنا أقوم بهذا من خلال قدرتي العقلية والإكتفاء الذاتي لدي أي لإشباع نفسي في تلقي ما أريده أنا فقط، لذلك وبالرغم أنني أتعارض معه في كل ما يقوله بما أنني لا أجد فيه ملذة وإشباعا ذاتيا لما أريده فأنا أتقبل فكرته لأنني أريد أن أصل إلى الهدف النهائي معه.

من المتوجب أن لا نصل إلى حل تسوية بل يجب أن نصل إلى إدراك كامل وحقيقي لمفهوم الشر. فإذا لم تكن معرفة الشر هذه متأصلت في بمعنى أنني أفهم أصل طبيعتي الأنانية ومنشأها وكيفية التعامل معها فكيف أستطيع الإرتقاء فوقها؟ لذلك بالسماع إلى ما يقوله الآخر أعلم الحقيقة إذ أنه يرى ما لا أراه أنا بما أنه من الصعب على الأنا إدراك أي شيء لا تجد فيه ملذة للذات ولذلك أقبل فكرة الصديق في المجموعة حتى لو لم أتوافق معه. صحيح أن صديقي يملك من الأنانية ما عندي وربما أكثر ولكن هذا أمر ثانوي ولن يكون مهربا لي.

هنا يصبح لدي الفرصة في العمل من خلال الإيمان فوق المنطق. إذ أنه بعدما أن نقرر تقبل رأي الأصدقاء ونأخذه بكل جدية ومن كل القلب والنفس، تصبح هذه لدينا بمثابة معرفة جديدة نملكها نحن. فقد كتب صاحب السلم في مقالاته ما يخص هذا الأمر قائلا أنه في حين تأسيس مجموعة من الذين يدرسون علم حكمة الكابالا لإحراز العالم الروحي بالوصول إلى التوازن الشكلي تكون لديهم الفرصة في إظهار شر الأنا في خلال علاقتهم معا والعمل على الإرتقاء فوق حدود المنطق لعمل تصحيح هذا الشر، وتكون لهم هذه الطريقة الأسلوب أو النهج الوحيد في إحراز درجة روحية أعلى وأرقى من التي يتواجدون عليها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*