قصة – معاً إلى الأبد – هي حكاية من حكايا الحكماء علماء الكابالا. تتحدث الحكاية عن الصعوبات التي تواجه الإنسان الذي صحت لديه النقطة في القلب وأخذ يشعر بأن جميع ملذات العالم لم تعد تكفي ولا تفيه لملء الفراغ الذي في نفسه ليحصل على شعور الإكتفاء التام والسعادة التي يحلم بها. فمهما عمل وأينما ذهب فهو لا يستطيع إيجاد جواب للأسئلة التي تشغل فكره وقلبه في هذا العالم تاركة إياه في دوامة الحياة كالأعمي يتخبط في مساراتها. أسئلة كثيرة تجول في خاطره أسئلة صعبة ومحيرة ” لماذا أنا هنا في هذا العالم أعاني من عدم الإكتفاء وقلة السعادة بالرغم من أن كل شيء أريده متوفر لدي ؟ ما هو سر هذه الحياة ؟ وما الذي أستطيع عمله لتغير هذا الشعور بالنقص الذي يجلب عليّ التعاسة ؟ إذا كنت أنا المخلوق فأين هو خالقي ؟ ولماذا هو محجوب عني ولا أستطيع حتى الإحساس به ؟
يشرح عالم الكابالا في هذه القصة كيف أن الصبر في تحمل صعوبات الحياة ما يولد فينا القوة، وبمعرفة علم الكابالا يستطيع الإنسان مواجهت هذه الصعوبات بحكمة وإيجاد الحلول والأجوبة لمعنى حياته.
الساحر ذو السلطة والنفوذ المطلق
والذي لم يتمكن من البقاء وحيداً
معاً إلى الأبد
حكاية للكبار والصغار
هل تعرف أن الناس المسنين هم الوحيدين الذين يعلمون سرد الحكايا والأساطير.
إن الأساطير هي أكثر الأشياء حذاقة ومهارة في العالم .
كل شيء في العالم يتغير وأما الأساطير الحقيقية فهي الوحيدة الباقية.
الأساطير هي حكمة والذي يرويها يجب أن يكون
صاحب معرفة واسعة وعميقة وبإستطاعته أن يرى ما لا يراه الآخرين.
لهذا يجب أن يكون الراوي كبيراً في السن ويكون قد عاش سنين طويلة.
ولهذا السبب فقط أن الأشخاص المعمرين هم الوحيدين اللذين
يعرفون كيف يرووا قصصَ الأساطير .
كما هو مكتوب في أقدم وأعظم كتب الحكمة في العالم
كتاب الزوهر
” الإنسان الكبير في السن هو إنسانٌ إقتنى حكمة “.
معاً إلى الأبد
يُحب الأطفال سماع الأساطير لأنهم يملكون المخيلة
أي القدرة في براعة التصوير المجازي
والعقل لرؤية كل شيئ وليس فقط ما يسمعه الآخرون.
إذا كَبُرَ الطفل واستمر بأن يرى ما لا يراه الآخرين فعندما يَشُبُّ
سيكون حكيماً وذو حداقة و يقتني الحكمة .
لأن الأطفال قادرون أن يروا ما لا يراه الآخرين
ويعلمون أنَّ براعة وقدرة الخيال هي حقيقة واقعية
ويبقون أطفالاً حكماء
كما كُتب في أقدم وأعظم كُتب الحكمة كتاب الزوهار.
كان يا مكان
كان هناك ساحرٌ عظيم ٌ وقديرٌ وذو قلبٍ طيبٍ جداً.
ومع كل الصفات الجيدة التي يُشار إليها عادة ً في كتب قصص الأطفال.
ولكنه وبسبب طيبة قلبه الشديدة لم يكن يعلم مَن يُشاركه
جودته وصلاحه وطيبته.
لم يكن لديه أحد ليغدق عليه عواطفه وحبه
أحد ليفكر به وليقضي وقتاً معه
ويشعر بأنه مرغوبٌ به
لأنه من المحزن جداً البقاء وحيداً
فماذا بإستطاعته أن يفعل؟
فكر في خلق صخرة … صخرة صغيرة ولكنها جميلة
ربما تكون جواباً لما هو محتاج إليه.
” أمسد الصخرة بلطف وهكذا أشعر بأن هناك شيء
بجانبي على الدوام ونكون كلينا سعداء لأنه من المحزن البقاء وحيداً “.
وهكذا ألاح بالصولجان الذي في يده وفي برهة ظهرت
صخرة كما أرادها بالضبط….
فبدأ بتمسيد الصخرة بلطف وضمها إلى صدره وتكلم معها
ولكن لم تتجاوب الصخرة معه.
بقيت باردة ولم تتجاوب معه بأي شكل.
فمهما عَمل بقيت الصخرة على حالها.
هذا لم يتوافق مع إرادة الساحر أبداً.
فكيف بإمكان الصخرة بأن لا تتجاوب.
فحاول أن يخلق صخور صغيرة وكبيرة وهضاب وجبال وأراضي واسعة
والأرض بكاملها والقمر والمجرة الشمسية.
ولكن كل هذا لم يُغير شيء وبقي كل شيء على حاله.
ولكنه ما زال يشعر بالحزن لكونه وحيداً.
في حزنه فكر بأنه بدلاً من الصخور سيعمل نبةٌ تنمو وتكون جميلة جداً.
يُسقيها ماءً، ويعطيها هواءً وقليلٌ من أشعة الشمس، يعزف لها الموسيقى
وهكذا تكون النبة سعيدة.
وعندها يكون كلاهما مكتفيان وسعداء
لأنه من المحزن جداً البقاء وحيداً
فألاح بصولجانه وفي برهة ظهرت النبة كما أرادها بالضبط .
فعندما رأها فرح جداً وأخذ يرقص حولها ولكن النبة لم تتحرك. لم ترقص معه
ولم تبادله في أي شيء.
فالنبة تجاوبت مع الساحر فقط فيما أعطاها على أبسط الدرجات.
فإذا أعطاها ماءً نمت، وإذا امتنع ماتت النبة.
ولكن النبة لم تكن شيء كافٍ لهذا الساحر الطيب القلب
والذي يرغب بأن يُعطي من كل قلبه.
فكان مُلزماً بأن يعمل شيء لأنه من المحزن البقاء وحيداً.
عندها أخذ يخلق كل أنواع النباتات بمختلف ميزاتها وحجمها
من أحواش وغابات وبساتين ومزارع وحدائق
ولكن كل هذه النباتات تصرفت بنفس طريقة النبة الأولى
ومرة أخرى كان هو وحيداً .
في حزنه فكر الساحر أكثر فأكثر … ماذا سيفعل؟
أخلق حيوان !! ولكن أي نوع من الحيوان ؟ … كلب ؟
نعم، كلبٌ صغيرٌ وجميلٌ يكون معه دائماً.
يأخذه معه في نزهة، فيقفز الكلب ويثب بفرح ويجري.
وعندما يعود إلى قصره أو إلى قلعته يفرح الكلب
برؤيته ويجري لملاقاته، ويكون الإثنان سعداء
لأنه من المحزن جداً البقاء وحيداً
فألاح بصولجانه وفي برهة ظهر الكلب كما أراد
فأخذ الساحر يعتني بالكلب، يُطعمه ويسقيه ويلاعبه.
حتى أنه ركض معه وغسله وأخذه في نزهة .
ولكن خُلاصة محبة الكلب كانت في تواجده بجانب مالكه أينما كان…
كان الساحر حزيناً ليرى بأن الكلب لم يكن يُبادله العواطف
حتى عندما كان يلعب معه ويذهب كل مكان معه.
ليس بإمكان الكلب أن يكون صديقاً حقيقياً لأنه لا يستطيع أن يُقدّر
كل الذي يعمله الساحر من أجله،
فالكلب لا يفهم أفكاره ورغباته وكل الجهود
التي يبذلها مالكه من أجله. ولكن هذا ما كان يريده الساحر،
فعمل مخلوقات أخرى، أسماك وطيور وكل أنواع الحيوانات الثدية،
ولكن كل هذا كان من دون فائدة،
ليس أحداً من كل هذه المخلوقات كان قادراً أن يفهه.
وكان من المحزن جداً البقاء وحيداً
فجلس الساحر مع نفسه وفكر .
عندها أدرك بأنه ليكون عنده صديق حقيقي يجب أن يكون هناك أحداً
يبحث عن الساحر، أحداً يرغب كثيراً جداً في أن يكون معه،
أن يكون مشابهاً له وعنده القدرة على المحبة كالساحر،
وأن يفهمه ويُشابهه ويكون رفيقه. رفيق؟…. صديق حقيقي؟
الصديق يجب أن يكون قريباً منه
ويفهم ما يُعطيه إياه وبدوره يُبادله في العطاء،
أي أن يُرجع له كل ما يُعطيه إياه،
فحتى السحرة أيضاً يريدون أن يحبوا وأن يكونوا محبوبين كذلك.
وهكذا يكون الإثنان مُكتفيان وسعداء لأنه من المحزن جداً البقاء وحيداً.
ففكر الساحر إذاً أن يعمل إنساناً
ليكون صديقه الحميم ويستطيع بأن يكون مُشابهاً للساحر.
يكون بحاجة إلى مساعدته ليصبح مشابهاً لخالقه
عندها يكون الإثنان سعداء لأنه من المحزن جدا ً البقاء وحيداً.
ولكن لكي يكون الإثنان سعداء يجب على الإنسان
أولاً أي يشعر بالوحدة والحزن بدون الساحر .
فألاح الساحر بصولجانه مرة أخرى وخلق الإنسان من بعيد .
فلم يشعر الإنسان بوجود الساحر الذي صنع الصخور والنباتات والهضاب والأحراش
والقمر والمطر والرياح ..الخ..
لم يعلم بأن الساحر خلق عالماً كاملاً مليئاً بكل شيء
جميل مثل الكمبيوتر وكرة القدم… والتي هي مصدر سعادة وإكتفاء له.
من ناحية أخرى ما زال الساحر يشعر بالحزن لكونه وحيداً.
فلم يعلم الإنسان بأن هناك ساحراً وهو الذي خلقه وأحبه وهو بإنتظاره
والذي قال بأنهم سيكونون سعداء سوياً
لأنه من المحزن جداً البقاء وحيداً
ولكن كيف للإنسان أن يكون مكتفياً بكل ما حوله
ولديه كل شيء يرغب به حتى الكمبيوتر وكرة القدم
ولا يعرف الساحر وأنه بحاجة أن يبحث عنه ويجده وليتعرف عليه ويتقرب منه،
ليحبه ويكون صديقه ويقول:
” تعالى، معاً سنكون سعداء لأنه من المحزن جداً البقاء وحيداً ومن دونك “.
كل واحد منا يعلم مُحيطه فقط ويعمل كل ما يعمله هؤلا القريبين منه.
يتكلم ما يتكلمون ويريد ما يريدون، محاولاً ألا ََّ يتعدى على أحد،
يسأل ويطلب بلطف الأشياء والهدايا التي يرغب بها…
مثل الكمبيوتر وكرة القدم .
فكيف من الممكن للإنسان أن يعلم بأنه يوجد هناك ساحرٌ حزين لأنه وحيدٌ؟
ولكن الساحر صاحب قلب طيب ودائماً يحرص على الإنسان
وعند حلول الأوان يلّوح بصولجانه وينادي الإنسان في قلبه بهدؤ شديد .
هنا يعتقد الإنسان بأنه يبحث عن شيء ما
ولا يعلم بأن الساحر الذي صنعه هو الذي يناديه قائلاً:
تعالى… فإننا سوياً نكون سعداء
لأنه من المحزن جداً البقاء وحيداً
مرة أخرى يلّوح الساحر بصولجانه ثانية
وهذه المرة يشعر الإنسان بوجود الساحر
ويبداء يفكر في الساحر ويفكر بأنه معاً سيكونون سعداء
لأنه من المحزن جداً البقاء وحيداً من دون الساحر.
تلويحة أخرى من الساحر بالصولجان يبداء الإنسان يشعر بأنه يوجد هناك
برجٌ ساحرٌ ومليىءٌ بكل العظمة والخيرات وهناك الساحر ينتظره،
ففي هذا المكان فقط سيكونون سعداء
لأنه من المحزن جداً البقاء وحيداً
ولكن أين أجدُ هذا البرج؟
وكيف بإمكاني الوصول إليه؟ وأين هو الطريق؟
يتساءل الإنسان في نفسه مُتحيراً.
فكيف بإستطاعته أن يلتقي بالساحر؟
فهو يشعر بحركة الصولجان في قلبه ولا يستطيع النوم.
دائماً يتخيل ويتصوّر سحرةٌ وأبراجٌ ولا يستطيع حتى أن يأكل أي شيء.
هذا ما يحدث عندما يريد الإنسان شيء ما بإلحاح وبرغبة شديدة ولا يستطيع
إيجاده ويشعر بالحزن لكونه وحيداً. ولكن ليصبح الإنسان مُشابهاً للساحر بصفاته
حكيماً وعظيماً ورفيع المقام وطيب القلب ومُحب وصديق –
التلويح بالصولجان من بعيد غير كاف للإنسان
بل يتوجب عليه أن يتعلم كيف يصنع معجزات بنفسه.
عندها وبشكل سريّ وبرقةٍ وهدوءٍ
وبكل لطف ورعاية يقود الساحر الإنسان إلى أعظم واقدم كتاب سحر
كتاب الزوهار
ويُريه الطريق إلى البرج العظيم .
يبداء الإنسان يتفهم ويستوعب محتويات الكتاب بكل إمكانياته وقدراته
حتى يتمكن وبأسرع وقت أن يُقابل الساحر ويتعرف عليه
ليتعرف على صديقه ويقول له:
” تعالى … معاً نكون سعداء لأنه من المحزن جداً البقاء وحيداً “
مع هذا يوجد حائط عال جداً يُحيط بالبرج
وهناك حرَّاسٌ يصدون ويقاومون الإنسان مانعين إياه والساحر
من أن يكونوا معاً ويكونوا سعداء .
فيبداء الإنسان ييأس ويفقد الأمل والساحر مُختبئاً في البرج
وراء البوابات المقفلة والحائط العالي والحراس يصدون ويقاومون الإنسان بيقظةٍ
وحذر شديدين، فلا شيء ولا أحد يستطيع المرور .
ماذا سيحدث ؟
كيف بإستطاعتهم أن يكونوا سوياً
ويكونوا سعداء معاً
لأنه من المحزن البقاء وحيداً.
كل حين يشعر الإنسان باليأس والضعف
فجأة ً يشعر بتلويح الصولجان فيذهب مسرعاً إلى الأسوار
ليحاول مرة أخرى مراوغة الحراس لعله يستطيع الدخول بأية طريقة ما!
فهو يريد كسر الأقفال وخلع البوابات ليدخل وليصل إلى البرج
ليتسلق درجات السلم
ويصل إلى الساحر .
وفي كل مرة يحاول التقدم إلى الأمام والإقتراب من البرج ومن الساحر
تزداد مقاومة الحراس له بكثرة وبقوة وقساوة وبلا رحمة ينتقدوه ويجرحوه.
ولكن ومع كل محاولة يصبح الإنسان أكثر شجاعة ً وقوة ً وأكثر حكمة ً.
فهو يتعلم إختراع كل أنواع البراعة وعمل وصناعة طرق وأشياء
السحرة فقط هم القادرين على إخترعها.
كل مرة يتلقى الإنسان دفعة ً إلى الوراء
تزداد رغبته أكثر فأكثر ليكون مع الساحر ويشعر بحبه له
أكثر ويرغب بان يكون مع الساحر أكثر من أي شيء في العالم
يرغب أن يرى وجهه لأنه من السعادة أن يكونا معاً
حتى ولو أُعطي الإنسان كل شيء في العالم
فمن دون الساحر سيشعر بالوحدة دائماً.
عندها وعندما يصل الإنسان إلى درجة لا يستطيع فيها التحمل أكثر
بُعده عن الساحر
تنفتح بوابات البرج والساحر
الساحر الذي صنعه يجري لملاقاته
ويقول له
” تعال إنه من الحسن أن نكون معاً لأنه من المحزن جداً البقاء وحيداً “
ومنذ ذلك الحين وهم أصدقاء أوفياء وحميمين
فإنه لا يوجد في العالم بأجمعه مَسرةٌ مثل تلك التي بينهما
لوجودهما معاً إلى الأبد واللانهاية .
فهما سعداء جداً معاً لدرجة أنهم
نسوا كم كان محزناً البقاء وحيداً .
النهاية