لماذا أتألم؟ لما هو من الصعب على الإنسان فهم الأحداث التي تصادفه ؟ وهل له أي سيطرة على قدره أو حتى التحكم به أو أن كل شيء مكتوب ومحتوم عليه؟
هنا سنتكلم عن الهدف من وراء فكرة وجود الخليقة وسنتكلم عن المعاناة التي نواجهها في هذه الحياة والدور الذي تلعبه في نمونا الروحي.
إن جوهر فكرة عمل الخليقة هو رغبة الخالق في عمل مخلوق وملء هذا المخلوق بالإبتهاج والسرور من غير حدود. هذا هو منبع ومصدر أي حدث يتجلى في واقعنا، وأي حدث يأخذ مجراه في حياتنا هو نتيجة هذه الرغبة. نحن نرى كل حدث في منظوره الشامل والذي يضم البداية والنهاية ولكن المشكلة لدينا هي أننا نعتقد أنه من المتوجب علينا الإستفسار عن أمور الحياة المعقدة والتساؤل عن عدم قدرتنا لمعرفة ماذا يجري في الكون ومحاولة تخمين مصيرنا وقدرنا المكتوب لنا في هذه الحياة. ولكن في الواقع أن الحاجة لدينا هي في معرفة حقيقة واحدة لا غير والتي تفرض علينا أن نسأل السؤال الوحيد والأكثر أهمية والذي في إجابته سنحصل على معرفة عالية ونكتسب منظورا جديدا للحياة والعالم الذي نتواجد فيه. والسؤال هو:” إذا كان الخالق رمز المحبة والجود والعطاء الكامل وكل ما يأتي منه هو الخير إذا لماذا نرى الشر يملء عالمنا؟ وإذا كنت أنا الإنسان قد وجدت هنا في هذا العالم لهدف الوصول إلى حالة الكمال والأبدية فكيف يكون هذا ممكنا وأنا أعيش في عالم يجتاحه الشر بلا حدود؟ وكيف سيكون باستطاعتي إدراك هذا الكمال بطبيعتي الأنانية ؟
سؤال عميق وواسع الأبعاد. ولهدف مساعدتنا سنستعين بكتابات ونصوص علماء الكابالا إذ أنهم وضعوا لنا إطارا لتوجيهنا في المسار الصحيح فكل الكتابات والنصوص حفظت من أجلنا نحن والتي دون فيها العلماء على مر الأجيال نتائج بحوثهم وتجاربهم الشخصية بعد قضاء معظم سنين حياتهم في البحث في دراسة الحقائق التي بني الوجود عليها والتي انتقلت من معلم إلى تلميذه على مر العصور ابتدأ من أبونا أدم إلى الراباش أخر عالم كابالا في جيلنا.
يخبرنا عالم الكابالا الشهير يهودا أشلاغ والملقب بصاحب السلم بأن هناك قانون أساسي في علم الكابالا والقائل ” أن كل ما لا يمكن إدراكه أو الوصول إليه لا يمكن تسميته”؛ أي التعبير عنه باستخدام أي إسم أو مصطلح لتسميته. فما الذي يعنيه بذلك؟ الهدف الذي نريد أن نصل إليه هو الإدراك الحسي المباشر بالخالق، وليس بفكرة مجردة أو مبدأ أو مفهوم فكري أو ثقافي لأنه لا توجد إجابة حقيقية في مثل هذا النوع من التفكير، فالإنسان لا يمكنه أن يشعر بالثقة الكاملة بمجرد فكرة أو بالمفهوم التجريدي لمبدأ ما، بل يتوجب على الإنسان أن يكون قادرا على الشعور بحقيقة هذه الفكرة بشكل واقعي كإحساسه بقدميه وهو منتصب عليهما أو كما لو كان ينظر إلى شيء ما أمامه ويراه بعينيه. فالإدراك لهذه المعرفة يجب أن يكون حسي. إذا إن الحاجة هنا فقط هي في تغيير طريقة إدراك الحقيقة وليس الأفكار ذاتها.
في الواقع إن الإنسان غير قادر على فهم الأحداث التي تأخذ مجراها في حياته – أي معرفة مصدرها وسببها – لأنه يرفض قسما كبيرا من واقعه الذي حوله بسبب نظام الأنا الذي هو أسير له. فإن الكثير مما يحدث في العالم الذي يعيش فيه الإنسان يقدره ويعتبره على أنه شيء مؤذ وغير صالح وبالتالي يتجنبه ويرفضه، وهذا بسبب “الأنا” فينا أي النظام الذي نسير بموجبه والذي هو”الرغبة في الأخذ أو حب الذات”. وهذه الرغبة أو الأنا تعمل بمثابة نظام التوجيه الذي يسير حياتنا. هذا يعني أننا خاضعون تماما تحت سيطرة الأنا وبناء على هذا إن عمل الأنا كله يتركز إما على جذبنا وراء الأشياء التي نجد فيها المتعة والتي نعتبرها جيدة، أو أنها تذهب بنا بالإتجاه المعاكس لما تحسبه شيئا لا يعد مصدر متعة لدينا بل سيولد الشعور بالفراغ لدينا وبالتالي فإننا نهرب ونبتعد عن هذه الأشياء.
وهنا نرى أن الأنا مسيطرة تماما على كيفية إحساسنا بالرغبة والشعور بالإكتفاء بها، فإننا نجد على سبيل المثال أنه في حالة الجوع إذا قدم إلينا طبق من الطعام الشهي فالمتعة تبدأ من اللحظة التي نتنسم الرائحة الطيبة والتي تفتح الشهية لدينا، وهكذا تبدأ الرغبة في الإزدياد وتتعمق في داخلنا لدرجة أننا نشعر بأن رائحة الطعام الشهي تتخلل داخل أنفسنا وعندما نبدأ في تناول الطعام نبدأ بالإستمتاع به وهكذا تأخذ رغبتنا بالإمتلاء درجة بدرجة وكلما استمرينا في الأكل نرى بأن اللذة والشهوة بدأت تأخذ لونا مختلفا عما كانت عليه في البداية إذ أن المتعة بدأت بالإضمحلال حتى لم نعد نستمتع بالطعام كما في البداية عندما تناولنا اللقمة الأولى، إلى أن تقل شهوتنا إلى الطعام لدرجة أننا نتوقف عن الأكل تماما. نحن لم نتوقف عن تناول الطعام بسبب وصولنا إلى درجة التخمة ولكن بسبب أننا لا نحس بالشعور بالمتعة في الأكل عندما نشعر بالشبع. هذا هو شرك الأنا أو الإرادة في التقبل؛ ففي حين الحصول على ما نريده لا نعد نتمتع به رافضين إياه. وهذا يرينا كيفية عمل الأنا فينا من ناحية الإستمتاع بالرغبة والتي هي محدودة جدا.
أما الحصول على المتعة في العالم الروحي تختلف من منطلق أننا لا نشعر بحالة الفراغ الكامل والتام ولكن نحن نحصل على المتعة واللذة بشكل مستمر. في المخطط التالي نرى مستوى نقصان المتعة كلما امتلأت الرغبة أكثر فأكثر.
نحن نسعى فقط وباستمرار وراء تلك الأشياء التي تعتبر جيدة ومصدر لذة ومتعة عندنا، لذلك ليس لدينا الإدراك الصحيح لحقيقة الواقع من حولنا لأن تركيزنا يكون محصورا في جزء واحد وصغير وبالتالي لا نستطيع رؤية الصورة بشكلها الكامل، ولهذا السبب يكون إدراكنا للواقع خاطئ لأن اهتمامنا منصب فقط على نقطة واحدة. إن حصر تركيزنا على الجزء الصغير من الحياة أو الحدث الذي يجري في حياتنا ناتج عن نظرتنا للحدث على أنه شيء سيئ أو معقد والذي عاقبته ستكون حزينة أو قاسية علينا. هذه مشكلة كبيرة بالنسبة لنا. فإذا نظرنا إلى الطبيعة من حولنا نجد أن كل الحقائق في واقعنا ظاهرة فقط نتيجة قانون التباين.
فإن قانون التباين يظهر لنا المعرفة الكاملة للطرفين المتفاعلين فإننا نعرف البرودة من نقيضتها الحرارة ونعرف العلو لأنه يوجد ما يدعى أسفل، ونعرف الصغير مقارنة بما هو كبير. فإذا نظرنا إلى الحرارة في حد ذاتها ولم يكن هناك شيء معاكس لها ليكون بإمكاننا معرفة نوعيتها وصفتها المميزة والتي تحدد لنا إطار مفهومها وأهميتها وتأثير زيادتها أو نقصانها، فإنها تعتبر- شيئا مجردا- ولن يكن بإمكاننا أن نشعر بأي شيء فيه. فإن لم يكن هناك أي حركة بمعنى فقدان الوسيلة لقياس أي شيء إذا فما الذي يمكننا معرفته عن الحرارة؟ لا يوجد أي شيئ في كون أي شيء في واقعنا مجرد لأنه لن يوجد فيه أي نوع من الشعور أو الحركة. إذا إن المقارنة بين ما نعتبره جيد والسبب في أننا نعتبره جيد، وبين ما نختبره في الحياة على أنه تجربة سيئة والسبب في أننا نعتبرها سيئة هو الشيء الوحيد الذي يجب علينا موازنته.
إذا نحن بحاجة إلى طريقة ونظام ثابت متكامل وجدير بالثقة يساعدنا في وضع الأمور في نطاق أكبر من الواقع المادي المحدود لنقيم كل ما يواجهنا، لأن كل تقييمنا للخير والشر يكون من خلال الرغبة الأنانية التي فينا أي “الأنا” وهذا تقييم ذاتي تماما وغير موضوعي؛ ولهذا السبب نحن نقول أن بعض الأحداث التي نراها على أنها شرا. ولكن إذا كنا حقا ننظر في الأمر بعمق فلا بد من النظر في التجربة الفعلية من كل جانب أي النظر إلى مصدر الحدث والسبب الذي أدى إليه والنتائج الحاصلة وتأثيرها علينا في الوقت الحالي وفي المستقبل بمعنى كونها العامل الذي سيلعب دورا مهما في ما سيحدث بعد ذلك. إذا لتتحقق في رد فعلك بصدق يجب عليك أن ترى الحدث أو التجربة التي مررت بها في حقيقة واقعها الأصلية وهذا هو المقصود بعبارة “إن كل ما لا يمكن إدراكه أو الوصول إليه لا يمكن تسميته”.
فإذا نظرنا إلى أمر الحرائق الطبيعية للغابات، فكل ما نراه هو المقدار الهائل من الضرر، وفي هذه الحالة نقول أن ما حدث كان سيئا جدا للأشجار وللبيئة، ولكن في نطاق أوسع من التفكير الواقعي الشامل، ما حدث هو شيئ جيد ونافع لأن الغرض والهدف منه هو إزالة كل ما هو ضعيف ومريض واستبداله بالأفضل، فالأشجار ستنمو بكثافة أكبر وبحالة صحيحة وصحية وأيضا حصلت التربة على السماد الطبيعي الفائق الجودة والذي بدوره سيكون مصدر غذاء غني بكل المعادن للنمو الكثيف للأشجار في المستقبل. فالأشياء التي كانت تحول دون النمو الصحيح للأشجار تغيرت بسبب الحريق. والآن وبما أنه توفر لنا صورة الواقع الشامل للحدث هل ما زلت تعتقد بأن ما حصل كان شيئا سيئا؟
فمن هذا المنطلق نجد بأن علم الكابالا يسمح لنا بأن نرى الصورة الكاملة أو ما نسميه بالواقع الشامل لكل حدث يأخذ مجراه في حياتنا وعلى كافة مستويات الحياة، وهذا يكون ممكنا من خلال النمو الروحي للشخص والذي يرفع المخلوق من درجة الكائن الحي أي “المستوى البهيمي للوجود” إلى درجة المتكلم أي “المستوى الإنساني الكامل أي على صورة خالقه” أي إنسان ذو نفس نامية وتتحلى بسمات خالقها.
إن مستوى درجة المتكلم هي نقطة البداية حيث يبدأ منها الإنسان بالتفاعل مع النظام الأعلى وأن يصبح جزء منه بحيث أنه يستطيع أن يرى الواقع بكامله وليس جزء منه فقط، ويستطيع أن ينظر إلى ما يحدث من خلال المعرفة الشاملة للأمور أي السبب الذي أدى إلى هذا الحدث ليأخذ مجراه في عالمنا وما هي النتيجة الحقيقية والهدف منه. بكلمة أخرى سيكون بمقدور الإنسان أن يفهم طريقة عمل النظام الذي من خلاله يدير الخالق عالمنا وكيف تتحرك بنا هذه القوى العليا بقدرتها الفائقة وبراعتها وتقودنا في طريق سالك في نظام الأنا المسيطر على حياتنا لتجذبنا وراء ما هو نافع وصالح وتردنا عما هو مكروه وضار. إذا كنا نستطيع أن نرى كل ما يحدث من هذا المستوى عندها نستطيع أن نرى الأحداث بكاملها وليس فقط ما يحدث بين الحين والآخر.
فما الذي يتوجب علينا فعله لنكون قادرين على الوصول إلى هذا المستوى العالي والرفيع أي إلى”درجة المتكلم”؟ وكيف يمكننا رؤية الأمور من خلال هذا المنظور؟ الحق أننا لا نستطيع التوصل إلى هذا من تلقاء أنفسنا. فالخيار الوحيد الذي أمامنا هو بمعونة ما هو موجود أصلا هناك، فيجب علينا أن نكون قادرين على الإحساس والشعور بما هو كائن حتى نستطيع أن نتشابه به.
إن قوة التطور هي في نمو هذه الرغبات في كل مستوياتها وبحسب درجاتها وأن نظام القوى العليا أي الخالق قد رتب لنا أن ننمو ونتقدم من خلال هذه الرغبات إلى أن نصل إلى المرحلة التي فيها نتوق ونرغب الشيء الصحيح بالتحديد. ولكن وبما أننا عنصرا أو طرفا فعالا في تقدمنا الروحي ونمونا بطريقة غير مباشرة أي ليس من خلال إرادتنا أننا تواجدنا في هذا الوضع وليس بإرادتنا أيضا أن نحرز أي تقدم إلى أن نصل إلى مرحلة الإيقاظ عندما تصحو النقطة في القلب لدى الشخص.
وقفة صغيرة هنا لتوضيح مصطلح النقطة في القلب. فإن كل إنسان لديه نقطة في قلبه ولكن الكثير منا لا يشعر بها لأننا لسنا بعد بالغين حتى يكون بإمكاننا الشعور بها. يأتي الإنسان في دورة الحياة إلى مرحلة أو موقف معين يعي وجود النقطة في قلبه، وهنا يبدأ الشخص بالشعور برغبة تجاه العالم الروحي والقوة العليا. نقطة بداية هذا الشعور والتوقان للعالم الروحي ما يدعى بالنقطة في القلب. من هذه النقطة يبدأ الإنسان في البحث عن جواب مقنع عن معنى الحياة، وما هي صلة الوصل بينه وبين خالقه؟ وما هو الدور الذي تلعبه العناية الإلهية في حياة الإنسان؟ لتوفير الأجوبة لكل هذه التساؤلات وإشباع هذه الرغبة يكون فقط عن طريق البحث في علم حكمة الكابالا.
ومن هنا يحدث الإيقاظ من خلال مجموعة الأحداث والتي نصفها “بالحدث الجيد أو السيئ”. بعبارة أخرى، إن رغباتنا تنمو وتتغير باستمرار بحيث تصبح أسئلتنا أكثر عمقا واتساعا. فكل حدث فظيع يأخذ مجراه في حياتنا وفي العالم من حولنا يجعلنا نتسائل بعمق عما هو السبب الحقيقي لهذه المعاناة؟ لماذا أنا أعاني وكيف يمكنني وقف هذه المعاناة؟ فإن قوة التطور هذه تبقى تسيرنا بشكل غير مباشر حتى نصل إلى نقطة فيها نرفض أن نقتنع بأي جواب بل يجب علينا أن نحصل على الإجابة الحقيقية لسبب المعاناة التي نمر فيها، لأن الجواب على السؤال يأتي فقط من القوى العليا أي من الخالق الذي يدير هذا النظام ويسير حياتنا.
هنا يصل الإنسان إلى مرحلة فيها يركز شعوره ورغبته في تكوين وعي في داخله لإلتماس جواب مقنع لهذا السؤال ولا يمكن لأي رغبة أخرى أن تحل محل إحساسه الصادق في إيجاد الجواب الصحيح، فهذه الحاجة الآن أصبحت وعاء لإحتواء الجواب أي أصبح للإنسان القدرة على تلقي جوابا لما كان يطلبه . ولكن حتى نصل إلى معرفة سبب المعاناة، علينا أولا أن نعرف ما هو الجيد وما هو السيء بناء على مقياس عادل، صحيح وثابت. والآن نحن طبعا نعلم أننا لا نستطيع الإعتماد على نظام الأنا فينا لكونه أناني في تقييم الأمور والأحداث وبالتالي فلن نحصل على جواب صحيح منه. فالمقياس العادل والثابت يجب أن يكون مقابل شيء غير متقلب باستمرار.
وصفات العدل والثبات هي من صفات الخالق فقط. فسماته التي يتحلى بها من محبة وعطاء مطلق وبالمقابل صفتي أنا المخلوق والتي هي حب الذات. فإن مقياس التباين هذا بين هاتين الصفتين المتناقضتين هو الذي سيعطينا الشعور في مكان وجودنا أي المستوى الذي نحن عليه أو الذي توصلنا إليه، لأن الشيء الوحيد المتواجد خارج إطار الأنا لنحس ونشعر به هو الخالق. والسؤال الآن هو كيف يمكنني الحصول على هذا الإحساس؟
يقول علماء الكابالا الذين أحرزوا العالم الروحي بأننا نعيش في بحر من النور أي نور الخالق، هذا يعني أننا دائما في حالة تلقي للبهجة والسرور من الخالق في إنائنا الروحي “الكلي”. هذه هي إرادتنا أو الرغبة في التلقي أي الأنا، والنور الإلهي يملؤنا دائما وبشكل مستمر بالبهجة والسرور. ولكن يتوقف الأمر على نظرتنا لما يجري من حولنا وعلى الصفة أو الصيغة التي نجعلها عليه، وكيفية تعريفنا لما يحدث لنا.
جميع الأحداث التي تحدث لنا ومعنا في هذه الحياة قد أرسلت إلينا بالشكل المباشر أي من النور من مصدره المباشر. ولكن إذا شعرنا بالنور بهذه الطريقة أي بشكل مباشر، أي أن نشعر به من خلال الرغبة في التلقي لدينا ونحن لا نعرف السبب وراء هذه العطية. والذي يجب أن نسعى لعمله في هذه الحالة هو أن نحاول فهم الفكر وراء هذا الحدث أي أن نتسائل في نوعية هذا العطاء، وما هي نية الخالق وقصده من خلال ما يحدث معنا؟ وكيف أن هذا الحدث مرتبط ومتعلق بالقوة التي تنمينا وكيف ستصل بنا إلى الشعور بالرضى والإكتفاء؟”.
فإذا كان بوسعنا فهم واستيعاب هذا الشعور عندها سيكون بإمكاننا فهم ما يحدث من حولنا أي أن نصل إلى المستوى الذي فيه تكون لنا رؤية جلية للأمور ويكون همنا الوحيد مركز في السعي وراء تبرير عمل الخالق من المنطلق أنه جيد وأن كل ما يأتي من عنده هو بركة ونعمة. فهذه هي صفات الرجل الصديق. لأن الرجل الصديق بالرغم مما يواجهه في الحياة من الحسن والسيء، فإن قلبه وفكره دائما موجه وراء قوى الخالق الخيرة والحسنة والتي توجهنا في مسيرة حياتنا. إن الفرق بين ما نشعر به في نفسنا “أي الوعاء الروحي لدينا” وفكر الخالق وراء الحدث، أي الهوة بين فكرنا وفكر الخالق هو مصدر المعاناة.
التناقض بين طبيعتي أي- النية في التقبل أو حب الذات- وبين نية الخالق في العطاء المطلق، هذا التناقض وهذا التباين ما يسبب لي الشعور بالمشقة والمعاناة. فإن قانون العطاء المطلق هو القانون العام الذي يحكم الكون وكل شيء فيه. وإن جميع قوانين الطبيعة مبنية على أساس هذا القانون وتسير تبعا له في كل انسجام، واستنادا عليه يتعين ويتوجب على جميع أشكال الحياة إيجاد التوازن. وإلى الدرجة التي لا نحافظ بها على التوازن لقانون الحياة هذا، فإننا لن نجد إلا المعاناة في كل جوانب الحياة وليس على الصعيد الشخصي فقط بل إن الخلل سيأثر على الإنسان وعلى محيطه على السواء.
الدراسة والبحث في نصوص علم حكمة الكابالا ليس لهدف المعرفة الفكرية، ولكن الرغبة في الإرتقاء فوق المعاناة هي التي ستمكننا من فهم معنى وكيفية عمل القانون العام الذي يسير عليه الكون، والذي من خلاله نصل إلى معرفة سمات النور وسمات الإنسان الأنانية وكيفية إيجاد التوازن بتغيير هذه الصفات الأنانية واستبدالها بسمات النور ليتمكن الإنسان من خلق التوازن والتخطي فوق المعاناة.