www.hikmatelzohar.com.13

المعاناة

إن رغبات كل إنسان تنمو وتتغير بشكل مستمر بحيث يصبح تساؤلنا وبحثنا في معنى الحياة وتواجدنا في هذا العالم أعمق من ذي قبل . فكل حدث يأخذ مجراه في حياتنا وفي العالم من حولنا يجعلنا نتسائل عن السبب الحقيقي لهذه المعاناة؟ لماذا أنا أعاني وكيف يمكنني وقف هذه المعاناة؟

هنا يصل الإنسان إلى مرحلة فيها يركز شعوره ورغبته في تكوين الوعي في داخله لإلتماس جواب مقنع. هذه الحاجة الآن أصبحت وعاء ليستطيع تلقي الجواب  فيه أي أصبح للإنسان القدرة على تلقي جواباً لما يطلبه. ولكن حتى نصل إلى معرفة سبب المعاناة علينا أولا أن نعرف تقيم ومعرفة  الجيد والسيء بمقياس صحيح وثابت فنحن نعلم أننا لا نستطيع الإعتماد على نظام الأنا فينا لكونه أناني في تقييم الأمور والأحداث  إذ أنه دائماً يؤدي بنا إلى الوصول إلى النتائج المحدودة والغير سليمة.  فتبعاً لقانون التباين والذي ينص على أن المعرفة الصحيحة لشيء ما تاتي من تواجد ومعرفة نقيضه إذ أنه القانون الذي يظهر لنا المعرفة الكاملة للطرفين المتفاعلين والمقياس العادل والثابت يجب أن يكون مقابل شيء غير متقلب باستمرار.

نحن نعلم أن صفات العدل والثبات هي من صفات الخالق فقط، وعند وضع السمات التي يتحلى بها الخالق من محبة وعطاء مطلق مقابل صفاتي أنا المخلوق والتي هي  الأنانية والجشع وحب الذات، فإن مقياس التباين هذا هو الذي سيعطينا الشعور بمكان وجودنا أي المستوى الذي نتواجد عليه أو الذي توصلنا إليه، فإنَّ الشيء الوحيد المتواجد خارج إطار الأنا لدينا هو الخالق. والسؤال الآن هو كيف يمكنني الحصول على الإحساس بالخالق؟

يقول لنا علماء الكابالا الذين أحرزوا العالم الروحي أننا نعيش في بحر من النور، والنور الإلهي يملؤنا دائماً وبشكل مستمر بالمسرات، والأمر فقط يتعلق بنظرتنا لما يجري من حولنا  والصبغة التي نطغيها على هذه الأحداث. جميع الأحداث في هذه الحياة والتي تأتينا من النور بشكل مباشر من دون توفر الوعاء المناسب في إرادتنا لإحتواء هذا النور ومن دون معرفة السبب وراء عطية الخالق هذه مما يسبب لنا المعاناة . في هذا الموقف يتوجب علينا أن نحاول فهم الفكر وراء هذا الحدث أي أن نتسائل عن نوعية هذا العطاء، وما هي نيَّة الخالق من وراءه؟ وكيف أن هذا الحدث مرتبط ومتعلق بالقوة التي تنمينا وكيف سيصل بنا إلى الشعور بالرضى والإكتفاء؟

فإذا تمكنا من إستيعاب هذا الشعور عندها سنتمكن من  فهم ما يحدث حولنا بمعنى أن نصل إلى المستوى الذي فيه تكون لنا رؤية جلية للأمور ويكون همنا الوحيد مركز في السعي وراء تبرير عمل الخالق على أنه جيد وأن كل ما يأتي منه هو بركة ونعمة. إن الفرق بين ما نشعر به في نفسنا وفكر الخالق وراء الحدث أي الهوة أو الثغرة بين فكرنا وفكر الخالق هو مصدر المعاناة.

التناقض بين طبيعتي في حب الذات لدي وبين نية الخالق في العطاء المطلق، هذا التناقض والتباين  في السمات معه ما يسبب لي الشعور بالمشقة والمعاناة. فقانون العطاء المطلق هو القانون العام الذي يحكم الكون وكل شيء فيه، وإن جميع قوانين الطبيعة مبنية على أساس هذا القانون وتسير توافقاً معه في كل انسجام، واستناداً عليه يتعين ويتوجب على جميع أشكال الحياة إيجاد نقطة التوازن وإلى الدرجة التي لا نحافظ بها على التوازن لقانون الحياة هذا فلن نجد إلا المعاناة في كل جوانب الحياة  ليس على الصعيد الشخصي فقط بل على محيط الإنسان أيضاً.

سؤال: إن السؤال “ما هو هدف حياتي” هو بداية ظهور الرغبة عند الإنسان في إظهار وَحِي ومعرفة الخالق. فأنا أريد أن أعلم من الذي خلقني ومن أين نشأت ومن الذي يدير حياتي؟ من الذي خلق الكون من حولي ولماذا وضعني هنا في داخل هذا العالم الكبير؟ ما الذي يطلبه مني في كل لحظة من حياتي؟ لماذا يعطيني من قلة الراحة دافعاً إياي نحو المجهول؟

عندما تبدأ هذه الأسئلة تتناثر في ذهني وبين أفكاري تصبح وكأنها السُمُ الذي يَبغي في القضاء على حياتي إذ لا يعود بإستطاعتي العيش من دون إظهار معرفة الخالق لأن هكذا صنعني الخالق إذ كونني تاركاً بَصْمَته في داخلي وعلى جميع رغبات قلبي. فإن رغباتي كالقالب الذي يَعْكِس تأثير النور علي وإلى أن أجذب النور إليّ لأمْلئ  به هذا القالب فأنا لن أستطيع أن أجد الراحة في حياتي بل تصبح هذه الحياة أسواء من الموت عندي وأصل إلى مرحلة أقدِم فيها على عمل أي شيء مقابل إيجاد ولو المقدار القليل من الإكتفاء في داخلي لأستطيع الإستمرار في العيش.

لذلك إن واجبي محصور في توضيح كيفية إظهار النور وفي كيفية حصولي عليه، وطبعاً هذا عمل ليس بقليل ولا هو أمر بسيط فإنه من أجل هذا بالضبط  دعيت حكمة الكابالا  “حكمة التقبل”. إن كلمة التقبل أو القُبول في العالم الروحي ذات معنى مخالِف لما هو متعارف عليه في عالمنا هذا الذي نعيش فيه، فمثلاً إذا كنتُ عطشاناً أشرب قليلاً من الماء لأُطفىء ضَمَئي؛ لا يمكنني في العالم الروحي أن أُشبع رغبتي هكذا وبشكل مباشر فليس الأمر على هذا النحو لأن الخالق لم يعطيني رغبة مُهيّأة لقبول النور ولكن يحب عليّ أولاً تنقية الرغبة وتصفيتها بوضوح، فهو يريدني أن أتحقق من الذي أريده، أتحقق من معرفتي للنور ومن إدراكي المؤكد بأن النور هو الذي فيه أعظم شعور بالإكتفاء التام لرغبة قلبي والذي تصبو نفسي إليه. وهو يريدني أن أجرب كل أنواع الرغبات وكل أساليب الإكتفاء إلى أن أصل إلى مرحلة أثبت لنفسي فيها مؤكِداً ما أريده مقتنعاً بأن النور هو الشيء الوحيد الذي أريده.

فالخالق غَيورَ جداً ومن الصعب إرضائه فهو يريدني أن أحبه لوحده فقط وهو يؤكد لي هذا بإظهاره في داخلي كل هذه النَزَعات والميول التي من الممكن أن تستحوذ على رغباتي لأصل إلى القرار الحاسم في أنني لا أرغب أي شيء آخر بجانبه وأنه هو الوحيد دائماً وسيبقى إلى الأبَد الوحيد في حياتي دون غيره. كما ورد في مزمور الملك داود إذ قال: “أُنظر ما أطيب الرب”.

في ضوء الهزة الأرضية التي إجتاحت جزر اليابان نستطيع أن نرى تهديد الطبيعة لوجودنا وحياتنا على الأرض. ففي الواقع نحن نوجد على الكرة الأرضية الأرض والتي هي ليست إلا طبقة رقيقة من أديم الأرض على وجه بركان عظيم متقلب في عمق الأرض. فإنه من أعماق الأرض نستخرج البترول ومشتقاته والماء الضروري لإستمرار الحياة وكافة أنواع المعادن كما ونستخدم النباتات والحيوانات والتي توجد على وجه البسيطة كمصدر للغذاء ونتنفس الهواء الذي في الغلاف الجوي والذي يحيط بالكرة الأرضية، ففي الحقيقة نحن معتمدين وبشكل كليّ على كل ما ينشأ ويحدث لأديم الأرض هذا. وإلى جانب كل هذا نحن خاضعين أيضاً  لتأثير عوامل أخرى كثيرة كقوة الجاذبية والمجال المغناطيسي وأنواع الأشعة المتباينة وسرعة دوران الأرض وعوامل أخرى متعددة ولكن نحن في الواقع لا نعي أنه أقل تغيير يحدث في أي من هذه العناصر في محيطنا له تأثير أساسي وجذري على حياتنا. فإن جميع التغييرات التي نشهدها في الطبيعة ناتجة عن سبب عدم التوازن بين هذه العوامل أو القوات والناتج بحد ذاته عن السلوك البشري الغير متوازن. فإن الكون بأكمله عبارة عن نظام واحد ومتكامل والذي يتضمن كافة درجات الحياة من مستوى الجماد  إلى النباتي إلى مستوى الأحياء “عالم الحيوان” وإلى درجة الإنسان. إن الجزء الأكبر من الكون ينتمي إلى مرحلة او درجة الجماد في الطبيعة  فالكون كله والذي يتضمن الكرة الأرضية وكافة النباتات التي تغطي سطحها مع كافة عالم الحيوان في كل أجزاءه ليس للإنسان إلا جزء ضئيل جداً فيه. ولكن الأمر يختلف من ناحية تقدير الأمور هنا فالذي نأخذه بالحسبان هنا ليس الكم أو الحجم بل نوعية القوات ولهذا يستطيع الإنسان والذي هو على درجة عالية من النمو التطور أن يغير وضع الكون بأكمله من خلال فكره. في عبارة أخرى عندما يقوم الإنسان بأي عمل أكان عمل سيء أو جيد فإنه بسلوكه هذا يستطيع التأثير على محيطه إما بشكل إيجابي أو بشكل سلبي وتأثيره يكون على كافة مستويات ودرجات الطبيعة وهذا بسبب النظام الواحد الذي يحكم الجميع. وبما أن الإنسان هو الوحيد الخارج عن نظام الطبيعة وليس خاضعاً لقوانينها لهذا يجب علينا تغيير نوعية سلوكنا وإحراز التوازن فيما بيننا كبشر عندها فقط يكون بإمكان جميع العناصر الأخرى في الطبيعة  بأن تتوازن من تلقاء نفسها وبحسب قوانين الطبيعة التي وضعها الخالق.

والسؤال هنا كيف يكون بإمكاننا إقناع الجميع بأن العالم بأكمله خاضع تحت تأثير فكرالإنسان؟

من المستحيل علينا أن نصل إلى هذه النتيجة عن طريق الكلام. بل يجب أن نعمل على التوعية والإيقاظ الحسي في إدراك أن الفكر هو القوة الجبارة في الكون بأكمله ولكن في البداية يجب أن نبرهن هذا بأنفسنا! فإذا أدركت أنا مدى قوة وتأثير نوعية تفكيري على العالم بأكمله فهل سأدع أفكاري تجري في بداهتها بحرية ومن دون حدود؟ بالطبع لا، ففي كل لحظة سأتفحص فيما أفكر فيه والإتجاه التي تسر فيه هذه الأفكار ومدى تأثيرها عليَّ وعلى محيطي وأحاول السيطرة على أفكاري.

من الصعب جداً تفسير هذا لأنفسنا وللعالم، فنحن لا نستطيع قياس عمق وقوة الأفكار أيضاً ولا مدى تأثيرها على أحداث معينة فلن يكن بإمكاننا تقديم براهين ملموسة لقوة فعالية الإرتباط بيننا. إذاً فكيف نستطيع الوصول بالعالم إلى مرحلة التوازن؟

هناك حل واحد فقط، نحن الذين ندرك هذا المفهوم من خلال دراسة علم الكابالا، فيجب علينا جذب نور الخالق من خلال جهودنا والنور هو الذي يمنح الناس الوعي والفطنة في نفوسهم لإدراك الواقع أن كل شيء في الطبيعة مترابط معاً وأن رغباتنا وأفكارنا لها تأثير قوي في تحديد وضع وحالة العالم الذي نعيش فيه.

فالنور المحيط الذي يؤثر على الجميع بشكل فعال وغير حسي هو الذي يوقظ الإدراك والفهم لدى الناس بأن أفكارهم ونواياهم تؤثر على حالة ووضعية نظام الطبيعة والذي يحتوي على كافة درجات الكون من درجة الجماد إلى درجة الإنسان متضمناً نواياه أيضاً فكل هذه الدرجات مرتبطة معاً في نوع تأثيرها.

نحن طلبتك من جزر اليابان ونرغب في معرفة رأيك فيما أصاب بلدنا من كارثة والضرر الذي وقع علينا من حدوث الهزة الأرضية في قعر البحر مما أدى إلى حدوث التسونامي وغمرت المياه اليابسة مما سبب أضراراً هائلة. بحسب تعليمات الأرصاد الجوية من المتوقع المزيد من الكوارث الطبيعية هذه كالمزيد من التسونامي وأنهم يتوقعون أيضاً حدوث الهزات الأرضية على مستوى عالي في المستقبل القريب. هل بإمكاننا معرفة أمور وحوادث كهذه  قبل وقوعها في العالم بشكل عام؟

إن البيئة أو الطبيعة من حولنا هي التي تقودنا في طريق التطور والنمو إلى أن نصل إلى مرحلة الإنسجام مع سمات النظام الذي تسيرعليه، فكل شيء في العالم يسير وفقاً لنظام قوانين الإنسجام كل جزء مع الآخر ما عدا الإنسان  فهو الوحيد الخارج عن نظام الطبيعة وهكذا فالطبيعة تلعب دورها في إعادته إلى مكانه الطبيعي. فإن جميع الضربات والكوارث والمعانات والأزمات على كل درجاتها وأشكالها التي نواجهها اليوم هي بمثابة رد فعل الطبيعة في عدم تماشي وخضوع الإنسان للقانون العام فيها. إن الحل الوحيد لحل كل هذه الأزمات والصعوبات يكمن في تحصيل الإنسان على التوازن مع الطبيعة التي يعيش فيها.

بشكل عام تتوفر هذه المعرفة في تحصيل التوازن ويكون من الممكن الوصول إليها ولكن فقط عن طريق تصحيح -الأنا- في الإنسان. فالأنا أي ” حب الذات ” يتم تقييمها من خلال سلوك الشخص نحو الرغبة في الإرتباط بجسد البشرية من حوله وكأنها إنسان واحد وهذا بسبب أن كل شيء في الطبيعة من حولنا وفي عالمنا مبنيٌ ويعمل على هذا الأساس وكأنه كيان واحد وإلى ان نصل إلى مرحلة فيها نرتبط معاً كالخلايا في الجسد الواحد خاضعين لقانون محبة الإنسان لأخيه الإنسان لا ولن  يوجد حل إلا المعاناة والمزيد من الأزمات والصعوبات أمامنا.

لقد ورد في مقدمة كتاب الزوهار  أن الضربة والمأساة الأولى التي تقع على البشرية تصيب هؤلاء الأفضلية من بين البشر وفي هذه الحالة أصابت اليابان ولكن كلما أخذت الضربات تتزايد كلما زاد واتسع نطاقها حتى تصيب جميع البشر على حد سواء. يوجد هناك حل واحد لا غير وهو إرتباط البشرية معاً على مبدأ وأساس ” أحب قريبك كنفسك ” ففي محبة الإنسان لأخيه الإنسان نكون خاضعين لنظام وقانون واحد كما الطبيعة التي نحن فيها. عندها وعندما نصل إلى هذه المرحلة نستطيع أن نشعر بوجود برحمة الخالق ونوره معنا.

لماذا تبدو وكأن الكارثة التي حدثت في اليابان وكأنها شيء غريب ومنفصل عن كياني كجزء من البشرية وما الذي أحتاج عمله لأشعر بها وكانها أصابتني أنا؟

إن الأنا التي فيّ هي التي تفصلني عن الآخرين وعن كل ما يحدث لهم وكأنه أمر لا يعنيني شخصياً فإنه بحسب ضخامة الأنا في الشخص يكون شعوره بالبعد عنما يحدث من حوله وفي هذه الحالة ما حدث في جزر اليابان في هذه الفترة الماضية.

والعكس صحيح فإلى الدرجة التي إرتقي إليها في تصحيح رغبتي الأنانية في تبنيها من صفات الخالق فيها أستطيع أن أشعر بالآخرين وما يصيبهم على قدر إرتباطي بهم من خلال رباط المحبة الطاهرة والتي هي من سمة الخالق والتي تجمعنا معا .

ففي ظروف مشابهة من أحداث كهذه في أيام معلمي الراباش إذ قد وجه له السؤال في الإستفسار عن سبب تتبعه المستمر والدائم للأخبار متتبعا الأحداث الجارية في العالم بلهفة إلى درجة أنه كان يأخذ بعض الوقت من الدرس ليرى التطورات فيما يجري في إذا كان لديه أي أولاد يقطنون هناك في مكان الأحداث فأجاب قائلا نعم هؤلاء جميعهم أولادي . إذاً  يتوجب علينا الإحساس بما يقع بالبشر من مصائب وكأنها شيء أصابني أنا شخصياً وأحمل همومهم كما ولو كانوا أولادي.

هل بإستطاعة علماء الكابالا منع الكوارث الطبيعية التي تقع بالعالم بفضيلة تقدمهم وإحرازهم العالم الروحي؟

طبعاً ولكن وعلاوة على ذلك لا يوجد في هذا المجال من هو عظيم ومن هو صغير الشأن . يظن الناس بأن صلاة عالم الكابالا العظيم بإمكانها أن تمنع وتنجي العالم من ضربات القدر ولكن في الحقيقة الأمر يختلف في واقعه عنما يعتقده الناس فإنه ليس عالم الكابالا العظيم بل الإنسان البسيط والذي لتوه صحت لديه النقطة في القلب والذي ما يزال في بداية الطريق متحيرا ويحاول إيجاد الإجابة على عشرات الأسئلة التي تدور في خاطره باحثاً من كل قلبه عن الفهم هذا الإنسان هو الذي يستطيع عمل أكثر بكثير مما يستطيعه عالم الكابالا وهذا لسبب صغر رغبته التي من خلالها يشعر بولع شديد للتقرب من القوة العليا. هذا الوضع مشابه كثيراً للمولود الجديد في الأسرة والذي وبالرغم من صغره وضعفه يصبح هو سيد الأسرة في جعل الجميع  يعملون على تلبية حاجاته وتأمين راحته وسعادته هكذا الإنسان الذي ما زال في بداية الطريق بإتجاه الإحراز الروحي والذي يستطيع إنجاز الكثير من خلال رغبته البسيطة ودعائه.

سؤال: كيف أستطيع أن أكتسب القدرة فوق حدود المنطق في العالم الروحي؟
الجواب:  مصطلح “فوق حدود المنطق” معناه فوق قدرة الجسد أي الإرادة في التقبل للذات. عبارة  “فوق حدود المنطق” هي صفة توجد في داخل سمة العطاء المطلق ومن أجل إكتساب سمة العطاء في ذاتنا يجب علينا الإرتقاء فوق إرادتنا ورغبتنا الأنانية لذلك يجب الخروج فوق حدود المنطق الدنيوي لدخول العالم الروحي. طبعاً أنه من المستحيل التغلب على طبيعتنا الأنانية من تلقاء أنفسنا لذلك نحن بحاجة إلى النور الأعلى “النور المحيط” الذي يجتذبه الإنسان من خلال البحث والدراسة في علم الكابالا.

كلمة “منطق” تعني الرغبة. وداخل الرغبة تتواجد لدي القدرة على الشعور والرؤية والتفكير وتحليل الأمور معتمداً على تقييم نسبة الفائدة التي ستعود عليّ أو على العكس تقييم نسبة الضرر أو الأذى الذي سيلحق بي إذا قررت التصرف لتحقيق رغبة معينة في قلبي وتقدير إذا ما كان الأمر مُستحقاً الجهد من ناحيتي في إستخدام هذه الرغبة أم لا. وهكذا أصل إلى نتيجة من خلالها أستطيع إدراك رغباتي. من هذه الناحية أنا لا يوجد لدي أي مشكلة فأنني وبناءً على هذه التقيمَات أعيش في هذا العالم مُسيراً أمور حياتي على هذا النحو. طبعاً وفي كثير من الأحيان يكون لدي الثقة في نسبة صغيرة فقط من نتيجة تحليلي للأمور والشك يشمل أكثرها. وهذا أمرٌ طبيعي، فالحال أيضاً كذلك بالنسبة لدراسة مواضيع أي علم من العلوم إذ نحن نستخدم نظرية الإمكانية في أي مجال لا تتوفر فيه لدينا المعلومات الحاسمة والمؤكدة ولكن يوجد دائماً نسبة صغيرة من المعلومات الصحيحة والتي يمكن الإعتماد عليها بشكل موثوق.

ومن ناحية أخرى إنّ الإيمان فوق المنطق أو فوق المعرفة يكون في حال عدم توفر أي سندٌ أو حجة أو وسيلة تمكنني من إدراك الأمر بالإضافة إلى هذا، أنا لا أعي أو أدرك معنى كلمة “فوق” في هذه العبارة، فلو أستُخدمت كلمة تُشير إلى معنى معاكس للمنطق عندي عندها أنا قادر على تحليل الأمور من ناحية كيفية سلوكي وفقاً للمنطق الذي أقيّم به كل شيء من حولي ومن ثم أتصرف بالأسلوب المعاكس بالضبط لما يمليه عليّ منطقي أنا. ولكن ومع ذلك هذا النوع من التفكير ما يزال يُعتبر تحليل منطقي للأمور من ناحيتي. ولكن كلمة “فوق” أنا لا أدرك كيفية إستخدامها في التحليل المنطقي للأمور لأنها عبارة أو مصطلح خارج نطاق حدود الإرادة الذاتية التي كونت منها أنا.

أنا ليس لدي ولا حتى فكرة ولو صغيرة عن معنى “الإيمان فوق المنطق” فأنا لا أعلم أي نوع من المنطق أو الفكر الذي توحي إليه هذه العبارة ولا أي نوع من الشعور المُستلزَم هنا في تحليل الأمور. كلمة المنطق في عبارة “الإيمان فوق المنطق” معناها نموذج ووسيلة لفهم الأمور وغايتها وهذا النموذج غير موجود في داخلي كي أستطيع فهمه. لذلك النور هو الوحيد الذي بقدرته أن يمنحني هذا الأسلوب في إدراك الأمور لأن عبارة “فوق المنطق” تعني من أجل العطاء المطلق وهو مبدأ لا يتوافق مع منطقي أنا في تحليل الأمور ولا يتوافق مع رغبتي في حب الذات وذلك بسبب طبيعتي الأنانية. وكما أشرت سابقاً إن لم يوجد الشيء داخل رغبتي أنا فلا يمكنني معرفته ولا إدراكه. إذاً كيف بإستطاعتي إكتشافه؟ لا أعرف! وبواسطة أي نوع من الرغبة؟

بناءً على قانون “أحب قريبك كنفسك” يقول علماء الكابالا إذا وصلت إلى مرحلة أنت فيها قادر على إدراك رغبة  “قريبك” وكأنها رغبتك أنت وإذا إستطعت تحليل الأمور فيما يتعلق برغبته هو ومن أجل صالحه هو فهذا يكون فوق حدود المعرفة والمنطق لديك. ولكن للوصول إلى هذه النقطة في تطبيق ما ذكرته يجب عليّ أن أحصل على قوة عظيمة ليست في حوزتي، فبواسطة هذه القوة أستطيع التخطي خارج حدود إرادتي لما هو “فوق المنطق” وبدون هذه القوة يكون من المستحيل الخروج من حدود هذه الرغبة التي هي جوهر كياني كإنسان.

إن النور “الخالق” الذي خلقنا هو الوحيد القادر على تغييرنا، لذلك يجب علينا إستخدام كل ما وضعه النور في متناولنا من وسائل لهدف إيقاظ وتنبيه النور لكي يؤثر علينا. فإننا نستطيع معرفة مدى نجاحنا من خلال قوة تأثير النور علينا.

في هذه المرحلة وإلى الآن إن جميع الأفكار والأحاسيس التي تراكمت داخل الرغبة غير قادرة على مساعدتك في أي شيء بل وعلى العكس إنها ستشكل عَقَبَة أمامك، وإذا قمت بتقييمٍ يومي لكل ما وصلت إلى معرفته عن العالم الروحي فإنك سترى أنه في الواقع أنت لم تدرك أو تصل إلى شيء بالرغم من الجهد الذي بذلته، وسيكون الأمر على حاله اليوم وفي اليوم الذي يليه وأيضاً ستشعر بالحِيرة والإرتباك بالرغم من الجهد الذي تبذله، أما في اليوم التالي وفجأة ستشعر بنوع من الثقة بالنفس وتشعر بأنك إقتنيت مزيداً من الحكمة  وهكذا هو الحال. ففي كل يوم تزداد ظاهرة سلبية عليك فهي ناجمة عن الواقع في أنك قاطن داخل الرغبة الأنانية وحب الذات لديك، وأنت تفتكر دائماً بأن النور هو الوحيد القادر على مساعدتك ولكنه لا يأتي لنجدتك، إذاً ما الذي بإمكانك عمله في هذا الموقف؟ يجب عليك أن تتصدى متحدياً المنطق العقلاني حتى تتمكن من الإرتقاء إلى درجة ما فوق المنطق.

سؤال: كيف بإمكاننا تجنب الكوارث الطبيعية التي على وشك الوقوع؟ ماذا نستطيع أن نعمل؟

الجواب: ربما أنت بحاجة إلى بناء قُلك كما عمل سيدنا نوح وإختبأ به. إن “سفينة نوح” ترمز للسفيرا “بينا” وهي سمة العطاء المطلق يدخل الإنسان داخلها وهي التي  تُنجيه إذ تحتضنه في داخلها وتُغلق عليه بأحشائها كالجنين في الرحم فهي تحيط به من جميع النواحي.

تستحوذ السفيرا بينا على السفيرا ملخوت وتحميها من النور الخارق والقوي الذي يتمثل في الطبيعة على شكل الأعاصير الإستوائية والحرائق وإلى ما آخره من الكوارث التي تتجسد في الطبيعة. فإن جميع الكوارث الطبيعية ليست إلا تجلي نور حوخما من دون نور حسديم أي ظهور قوة النور الإلهي المتمثلة في يوم الدين من دون الرحمة الإلهية. تحدث الكوارث من قبل النور الساطع بشكل مباشر غير مؤتزراً برداء الحب والرحمة النابع أيضاً من الخالق العادل ولهذا السبب أنت تشعر به وكأنه لسعات نار محرقة وبدلاً من أن يحتضنك النور ويحميك تشعر به وكأنه يضربك ضرباً مُبرحاً. ولكن إن نفس هذا النور المباشر عندما يكون مؤتزراً بنور الرحمة والمحبة الإلهية يحضنك كما الجنين في الرحم ويحميك كي لا يُصيبك أي مكروه ولكن من دون نور الرحمة أنت ستشعر بالضربات إذ أنت فاقد الحماية. وهكذا فإن كل مراحل التصحيح التي نمر فيها محصورة في جذب نور حسديم أي نور الرحمة والذي هو القوة الكامنة في السفيرا بينا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*