www.hikmatelzohar.com.28

العلاقة بين الاقتصاد والطبيعة

 هل من الممكن إيقاف ومنع تفاقم الأزمة الاقتصادية القادمة؟

 في الاجتماع الذي جرى في شهر يناير من هذه السنة في دابوس، صرح الممول الأسطوري جورج سورس رئيس صندوق “كوانتم ” بأن الولايات المتحدة الاميريكية تقف على حافة إنهيار إقتصادي فادح والذي بدوره سيؤدي إلى أزمة إقتصادية عالمية لم يشهد لها العالم مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.

هل هناك شك بأقوال السيد سورس؟ إن سلسلة الأحداث التي مر ويمر بها الإقتصاد الأمريكي والإقتصاد العالمي على حد سواء لم تدع مجالاً للشك. ففي يومنا هذا نجد في أن الأمور واضحة للعيان أن الإقتصاد العالمي يمرّ  في أزمة مُتفاقمة والإنهيار سيؤدي إلى كساد شديد.

ما الذي أوصل العالم إلى هذه الأزمة العظيمة ؟ وهل هناك طريقه لمنع هذا التدهور؟

في مجال الاقتصاد كما هو الحال في أي من المجالات الأخرى الإجتماعية إن الهدف الرئيسي هو العلاقة المتبادلة . ففي أزمة كهذه نجد بأنه يوجد عامل آخر “يتعدى” كل العوامل الأخرى مما سيؤدي إلى إنهيار السوق العالمية بشكل تام.

خذ على سبيل المثال إنهيار النمو السكني وشراء العقارات المتزايد الذي أخذ مجراه قبل بضعة أشهر في الولايات المتحدة والذي كان تأثيره ملحوظ على وضع البورصة العالمية  وعلى بنوك وشركات التأمين في جميع أنحاء العالم ، وكان له ردة فعل قوية في أوروبا وأسيا وكندا وأستراليا.

وإذا دل هذا على شيء فإنه يدل على أن توقعاتنا في المحاولة في السيطرة على هذه الأزمة الإقتصادية مُستخدمين الأساليب والطرق والوسائل المعروفة لدينا منذ القدم لن يكون مصيرها إلاَّ الفشل . فالواقع واضح في إنه من الصعب محاولة السيطرة أو حتى التنبؤ بحالة الإقتصاد بشكل دقيق  وان أي محاولة نقوم بها سيكون لها أبعادها في مدى تأثيرها على العالم أجمع.

إذا حاولنا فهم القوانين العامة التي تسير بحسبها الطبيعة وإذا إتبعنا مسار هذه القوانين مُحافظين على توازنها عندها فقط سيكون في إمكاننا وضع أو بناء مفهوما ً صحيحا ً لهذه الأزمة فيضوء قوانين الطبيعة لنجد السبيل الصحيح لمنع الإنهيارالذي يقف العالم بأكمله على حافته.

www.hikmatelzohar.com.27

التوازن المتبادل:

البروفيسور جونتر بلوبل باحث معروف في معهد الراك-فيلر الرفيع لأبحاث الطب في مدينة النيويورك في الولايات المتحدة  والحائز على جائزة نوبل في عام (١٩٩٩) في علوم الفسيولوجيا والطب أشار مؤخرا ً قائلا ً:  ”  يؤكد العلم بأن مبدأ العطاء والتبادل هو المفتاح الأساسي لكيان كل ما في الطبيعة “. واستخدم البروفيسور بلوبل مثال الخلايا الحية في جسد الإنسان شارحا ً بأن الخلايا في الجسم البشري ترتبط بعضها ببعض بناءً على مبدأ العطاء المطلق من أجل منفعة الخلايا الأخرى لإبقاء الجسد على قيد الحياة. كل خلية في جسد الإنسان تستهلك ما تحتاجه فقط لتبقى حيّة وفعّالة للقيام بوظيفتها وبدورها تكرس نفسها وطاقتها من أجل إبقاء الجسد سليما وحياً “.

تكتنف قوة الطبيعة الواقع الذي نعيش فيه بميزة الخير والمحبة السامية من خلال القوانين التي تأسس الواقع عليها. هدف الطبيعة هو في كشف  بنية هذا الواقع من خلال كشف كيفية طريقة عمل هذه القوانين معاً في إنسجام متناسق كي نتمكن نحن التوصل إلى التوازن والإنسجام في التعايش معاً ومع الطبيعة من حولنا من دون تعدي القوانين. فإذا أمعنّا النظر بنظام العلاقات المتبادلة في الطبيعة يمكننا أن نرى كيفة عمل قانون التوازن في إبقاء وإستمرار الحياة بين جميع الكائنات الحية .

إن طبيعة السلوك البشري والذي بدوره يؤثر بشكل مباشر وفعّال على بنية الهيكل الاقتصادي والاجتماعي مبني على “الأنا” والتي هي محور وجوهر الإنسان. إن عمل ” الأنا ” يتركز في تحصيل ما هو لمصلحة الإنسان الشخصية في عدم التبالي مع الآخرين ويتجلى هذا في أسلوب أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال إذ أنهم يعقدون صفقاتهم على أساس الربح الشخصي حصراً . فالسعي وراء تحصيل الغنى والمراكز العليا وإكتساب السلطة ولو كان ذلك على حساب الآخرين هو الشيء الوحيد القائم أمامهم كنصب والهدف الوحيد اللذين يسعون وراءه.

ولكن الآن وفي ظل الوضع الحالي أخذوا في تغيير نظرتهم للأمور إذ أنهم بدأوا يرون أن العالم بأكمله متحد في رباط الوحدوية التي تربط الدول معاً وتربط أفراد المجتمع الإنسان معاً في وحدوية لدرجة أن سلوك الفرد الواحد أكان إيجابياً أو سلبياً يؤثر على الجميع  ومهما حاولو في عزل أنفسهم عن الآخرين لهدف توسيع أعمالهم كلما أخذوا يعون مدى إرتباط البشرية معاً ومدى التأثير السلبي عليهم نتيجة فصل أنفسهم عن جسد البشرية. فأي صفقة تجارية أكانت رابحة أم خاسرة تؤدي إلى تغييرات بعيدة المدى في جميع أطراف العالم. والنتيجة أننا نجد أنفسنا اليوم وكأننا محصورين بين المطرقة والسندان كما يقول المثل بين الأنا من جهة والتي تحكم علينا في إنفرد كل منا والإبتعاد عن الآخرين وبين العولمة من جهة أخرى والتي تضغط دافعتاً إيانا للإرتباط معاً ، ولهذا يجب علينا أن نتحد. فالحل الوحيد اللذي امامنا اليوم هو في العيش بمبدأ قوانين الطبيعة. وليكن المجال لكل مجتمع في أن يثبت قائماً في جوهره يجب أن يبني أساسه على قوانين الطبيعة التي يسير عليها الكون بأكمله. وهنا يبرز دور وضرورة التعليم لبناء مجتمع صحيح. ففي تعلم الإنسان لقوانين الكون والطبيعة يدرك أهمية سلوكه وتأثيره على مجرى الأحداث من حوله وكيفية إحراز التوازن والإنسجام. فيجب على المسؤولين والرئساء أن يُدركوا أهمية توجيه وتعليم البشر من خلال إدراكهم بأن عليهم التعامل مع جذور المرض وليس في تسكين الأعراض ولهذا يتوجب إتباع الخطوات الأساسية والضرورية والتي تتجلى في :

١- استخدام وسائل الإعلام المختلفة لإقناع العالم بأن البشرية خُلقت بنظام الجسد الواحد المُركب من خلايا عديدة مترابطة بعضها مع بعض في عملها وعلاقتها المتبادلة المبنية على مبدأ العطاء المطلق إذ أن حياة كل منها مرتبطة بالأخرى. ومثلما تعي كل خلية دورها في الجسد كذلك يجب على كل فرد في النظام البشري أن يعي ويفهم أهمية وجوده ودوره في حياة جسد البشرية ويعي أهمية مبدأ محبة الإنسان لأخيه الإنسان في التعامل مع الغير كما يود كل منا معاملة الغير له فالمثل يقول أن كل ما يزرعه الإنسان سيحصده أكان خيرا ً أم شراً.

٢- إعلام الناس بالأسباب الحقيقية للأزمة. أي يتوجب علينا شرح بأن نظام الطبيعة يعمل بحسب قوانين معينة علمية وثابة. وأن التوتر وعدم التوازن والإستقرار الذي يمر به العالم في يومنا هذا ما هو إلا نتيجة سلوكنا المعاكس لقوانين الطبيعة. فإذا أمعنا النظر في كيفية عمل كل كائن حيّ في البيئة التي نعيش فيها نستطيع أن نرى تجسد القوابين وفعاليتها ونرى أن الإنسان جزءً مهماً وفعالاً في هذا العالم وإذا توصل إلى مرحلة يدرك فيها دوره في خلق التوازن في البيئة التي يعيش فيها عندها سيفهم كيفية عمل هذه القوانين وسيرى قدر التأثير المتبادل بينه وبين الطبيعة من حوله وتفاعلها معه بناءً على سلوكه تجاه الآخرين.

٣- على أولائك من صانعي القوانين والقرارات في كل المجتمع إدراك كيفية عمل الأنظمة العامة لقوانين الطبيعة العلمية وكيفية عملها وتفاعلها وتأثيرها السلبي والإيجابي ونتائج العمل بها أو إهمالها. فعندما يبدأ أصحاب روؤس الأموال وأصحاب الشركات الذين يؤثرون بشكل مباشر على الوضع الإقتصادي وبالتالي على حالة المجتمع بأكمله من ناحية مستوى الحياة فيه يبدأون في فهم تركيبة قوانين الطبيعة وطريقة تفاعلها ومدى تأثيرها عندها سننجح في أن نُخرِجَ العربة من الوحل كما يُقال ويزدهر الإقتصاد مرة أخرى .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*