حكمة الكابالا والزوهار-الخليقة

الفكر وراء الخليقة

إن الفكر وراء وجود الخليقة وخلق الإنسان والهدف الذي من قدره أن يحصّله في نهاية مرحلة تطوره وتطور الإنسانية يكمن في الوصول إلى مرحلة التوازن في سماته مع سمات مع الخالق من محبة وعطاء تجاه أبناء جنسه.  فإن جميع قوانين الطبيعة مبنية في أساسها ومضمونها تجاه تحقيق هذا الهدف بالذات. فإن إرتباط الإنسان بالخالق يحدث عن طريق تحصيل التوازن من خلال تبني الإنسان لسمات الخالق الحسنة عليه ليكون على صورة خالقه وهكذا قيل: ” وخلق الرب الإنسان على صورته. على صورة الخالق خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم “.

إن كل إنسان ملزم على تحقيق الهدف الذي وجده الخالق من أجله والذي من أجله وجد في هذا العالم. ولكن لماذا الضرورة في التوازن في السمات في مسألة إرتباط المخلوق بخالقه ؟ نستطيع تحليل وفهم هذا الأمر من خلال المثل التالي: إن كل حدث أو عمل يأخذ مجراه في الواقع نابع من فكر الإنسان الذي قام بهذا العمل. فإذا أخذنا النجارعلى سبيل المثال في عمله ليصنع طاولة، هنا  نرى الترابط بين فكره ومهارة يديه في العمل من خلال صنعه لهذه الطاولة إذ انه إستخدم فكره في العمل  ولهذا عندما ننظر نحن إلى عمله نستطيع على الفور إدراك فكر النجار وذلك لسبب الترابط الكائن بين فكره وعمل يده والذي يظهر في ما صنعه.

عندما يتأمل الإنسان في أعمال الخالق فإنه يستطيع فهم فكر الخالق، فعندما يحرز الإنسان فهم وإدراك الأعمال التي من خلالها خلق الخالق العالم وكل ما فيه من أنظمة وقوانين عندها  يستطيع فهم فكر الخالق.  أي أنه يستطيع الإرتباط والإندماج مع خالقه من خلال هذا الإدراك إذ  قيل أن الإنسان والذي خُلق على صورة خالقه يستطيع إظهار إسمه وعظمته في العالم كله وهذا يتجلى في إرتباط المخلوق بخالقه.      

إذا كان الخالق قد عمل العالم من أجل الإنسان ليغدق عليه كل الخير والملذة والسرور إذاً ما هو الخطاء في رغبة الإنسان أن يتقبل كل شئ لذاته؟ ولما تُعبر هذا بأنه شر؟ ولما كان من الضروري خلق عالم مليء بالنقص والعيوب وخليقة غير مُصححة؟  جديد

 إرادة الخالق هي العطاء، لذلك خلق رغبةً في لتتمتع من عطاءه ولكن من أجل أن تتمكن هذه الرغبة التي خلقها من التنعم بعطاء الخالق يجب أن تبقى فيها الرغبة بعد تلقي الخير والملذة ولا تتلاشى منها كما هو الحال فينا نحن الآن. يجب على الملذة أن لا تتلف الرغبة وتبيدها. يجب أن تبقى الرغبة سليمة وعذراء في طبيعتها وأن تكبر باحثةً عن ملذات أعظم من التي تتلقاها. ولذلك يجب على كل من الرغبة والملذة التواجد في مكان أو مادة مختلفة. فالأم على سبيل المثال تعتني بشكل دائم برضيعها لأَنَّ ملذتها فيه وليست في نفسها. وفي المقابل نرى إذا أراد أحدٌ الإستمتاع في أي شئ ما ففي حال حصوله على الملذة نجد أن الرغبة فيه تتلاشى تماماً آخذتاً معها الشعور بالملذة أيضاً. ولهذا السبب من خلال العيش لجلب الملذة والإكتفاء لرغبات الآخرين كما الأم تجاه رضيعها نستطيع الحصول على ملذة مطلقة ودائمة. لذلك إرادة الخالق في خلق المخلوق ليجلب الرضى له هو الشرط المسبق لتلقي ملذات لا نهاية لها.

والسؤال هنا لما لم يخلقنا الخالق على هذه الدرجة منذ البداية؟ ولماذا يتوجب على الإنسان المرور في معاناة كثيرة إذا كان من ناحية الفرد أو العالم أجمع للوصول إلى هذه الدرجة؟ بحسب قانون التباين نحن لا نستطيع الشعور بأي شئ إلا إذا تذوقنا مضاده، بالإضافة إلى هذا نجد بأنه كلما إزداد الفارق بين الدرجات كلما قوية الرغبة تجاه الدرجة العليا. من هنا نرى أن للوصول إلى درجة الخالق نحن مُجبرون على خوض الكثير من الدرجات ذات الصفات المتناقضة مع صفاته حتى نستطيع أن فهم سماته وتقديرها. إذاً بما أنه من المستحيل تفادي كل هذا من أين لنا الحصول على القوة لخوض هذا كله؟ وهل من الممكن تفادي المآسي والكوارث والدمار والمذابح وأن نصل إلى العيش بهدوء وسكينة؟ أين هو الخالق العظيم والكامل من كل هذا؟

لو أننا لم نُعطى المعلومات المفصلة لكيفية الوصول إلى هذا الهذف لكانت شكوانا في مكانها وفيها عدالة ومنصفة. لقد أعطي علم حكمة الكابالا لنا لتصحيحنا ونرتقي إلى درجة الخالق في تبني سماته من عطاء ومحبة مطلقة، وفي دراسته نستطيع الوصول إلى هذه الدرجة بسرعة وندخل الأبدية ونحن موجودين في هذا العالم. علم الكابالا يُظهر لنا طبيعتنا مقابل النور الإلهي المحيط بنا وبالتالي يُجبرنا على الإحساس بالخجل والتواضع أمام الخالق قبل أي معاناة جسدية وتعجل في ظهور الرغبة للتخلص من طبيعتنا الشريرة وإكتساب أو إحراز مسات الخالق الكاملة.

هل تنتمي الخلِيْقة إِلى الخالِقِ وحده أو هل يستطِيِع الإنسان التأْثِير عليها ؟ جديد

إِنّ للإِنسانِ حرية إِخْتِيارٍ. وفِيِ نموِهِ الروحِيِّ يصل الإِنسان إِلى درجةٍ يستطيِع فِيِها عمل أيِّ شيءٍ يريده ويبْغاه ولكنّه دائِماً يِختار طريق الخالق. وهذا يكون حِيِنما يصل الإِنسان إِلى مرحلةٍ فيها يُدرك أنّ الخالق وأعماله هي الكمال بِعينهِ.  

إن السؤال “ما هو هدف حياتي” هو بداية ظهور الرغبة عند الإنسان في إظهار وحي ومعرفة الخالق. فأنا أريد أن أعلم من الذي خلقني ومن أين نشأت ومن الذي يدير حياتي؟ من الذي خلق الكون من حولي ولماذا وضعني هنا في داخل هذا العالم الكبير؟ ما الذي يطلبه مني في كل لحظة من حياتي؟ لماذا يعطيني من قلة الراحة دافعا إياي نحو المجهول؟  جديد 

عندما تبدأ هذه الأسئلة تتناثر في ذهني وبين أفكاري تصبح وكأنها السم الذي يبغي في القضاء على حياتي إذ لا يعود بإستطاعتي العيش من دون إظهار معرفة الخالق، لأنه هكذا صنعني الخالق إذ كونني تاركا بصمته في داخلي وعلى جميع رغبات قلبي. فإن رغباتي كالقالب الذي يعكس تأثير النور علي، وإلى أن أجذب النور إلي لأملء به هذا القالب فأنا لن أستطع أن أجد الراحة في حياتي بل تصبح هذه الحياة أسواء من الموت عندي وأصل إلى مرحلة أقدم فيها على عمل أي شيء مقابل إيجاد ولو المقدار القليل من الإكتفاء في داخلي لأستطيع الإستمرار في العيش.

لذلك إن واجبي محصورٌ في توضيح كيفية إظهار النور وفي كيفية حصولي عليه، وطبعا هذا عملٌ ليس بقليل ولا هو أمرٌ بسيطٌ فإنه من أجل هذا بالضبط دعيت حكمة الكابالا “حكمة التقبل”. إن كلمة التقبل أو القبول في العالم الروحي ذات معنى مخالفٌ لما هو متعارفٌ عليه في عالمنا هذا الذي نعيش فيه، فمثلا إذا كنت عطشانا أشرب قليلا من الماء لأطفىء ضمئي، لا يمكنني في العالم الروحي أن أشبع رغبتي هكذا وبشكل مباشر، فليس الأمر على هذا النحو لأن الخالق لم يعطني رغبة مهيأة لقبول النور ولكن يحب علي أولا تنقية الرغبة وتصفيتها بوضوح، فهو يريدني أن أتحقق من الذي أريده، أي من معرفتي للنور ومن إدراكي المؤكد بأن النور هو الذي فيه أعظم شعور بالإكتفاء التام لرغبة قلبي والذي تصبو نفسي إليه. وهو يريدني أن أجرب كل أنواع الرغبات وكل أساليب الإكتفاء إلى أن أصل إلى مرحلة أثبت لنفسي فيها مؤكدا ما أريده مقتنعا بأن النور هو الشيء الوحيد الذي أريده.

فالخالق غيورٌ جدا ومن الصعب إرضائه فهو يريدني أن أحبه لوحده فقط وهو يؤكد لي هذا بإظهاره في داخلي كل هذه النزعات والميول التي من الممكن أن تستحوذ على رغباتي لأصل إلى القرار الحاسم في أنني لا أرغب في أي شيء آخر بجانبه وأنه هو الوحيد دائما وسيبقى إلى الأبد الوحيد في حياتي دون غيره. كما ورد في مزمور الملك داود إذ قال:”أنظر ما أطيب الرب”.

ما هو المفهوم الصحيح لمصطلح “أدم الأول”، هل هو كيانٌ روحي بعلاقته بعالم أدم كادمون أو أنه رجلٌ من دم ولحم بالمعنى الحرفي؟ وما هو الرابط بين هذا وبين العلوم التي تبحث في أصل الإنسان ومنشأه؟ فقد قرأت في كتبك أن كل الغايات والعلاقات المتبادلة يتم إدراكها في النهاية من خلال أناسٌ معينين على الأرض بناء على هذا هل أدم هو الرجل الأول أو أنه الرجل الأول الذي حصل على مساخ؟ جديد

 إن الكون والبشرية ذو صبغة أبدية. فلا يوجد بداية أو نهاية لنمو المادة. إن تشكيل الكون هو نتيجة نمو وتطور العالم الروحي؛ وإن خلق الإنسان نابعٌ من نمو الأشياء الروحية بناء على إنحدارها عبر درجات العالم الروحي إلى أن وصلت إلى مرحلة التجسد المادي والذي هو أدنى الأشكال، هو شكل عالمنا الذي نعيش فيه.

طبعا نحن تطورنا من الشكل البدائي ولكن ليس بحسب الإختيارات الطبيعية بل كان نموناوتطورنا بحسب ظهور الريشيموت أي الجينات الروحية.

إن أول ظهور أو أول تجلي للنقطة في القلب هي أدم في هذا العالم.

وإن أول ظهور ونمو أول إحساس أو إدراك للخالق يدعى إبراهيم.

وجوابي الوحيد لك على سؤالك هو إلى أن تظهر النقطة في القلب عندك لتشكل أول السفيرات العشر لن يكن بإستطاعتك أن تفهم من أين أتيت وما مصير كل شيء في الكون، فلا يوجد هناك أي تفسير يساعدك على الفهم وذلك لعدم وجود الإناء اللازم لتستطيع تلقي نور المعرفة.

       لماذا نرى بأن القليل من الناس يتسائلون عن الخليقة وعن هدف وجود الإنسان فيها؟ وكيف يكون بالإمكان إثارة إنتباه العالم إلى أهمية هذا الموضوع ؟

إن عالمنا بكل تاريخه الملىء بالإنجازات والتطورات المختلفة والعذاب والمعاناة التي مر بها، والعالم الروحي بكل جوهره، جميعها تبدو كاللاشئ مقابل ما يستطيع الإنسان إكتشافه. فإن سعة وعظمة تصميم الوجود والخليقة أمرٌ لا يزال مبهمٌ وغامضٌ عن قدرة الإنسان العقلية. فالبلايين من الناس عاشوا حياتهم في هذا العالم ولكن العشرات فقط استطاعوا إحراز هدف الخليقة. لكن هؤلاء العشرات هم المختارون من قبل الخالق في وصولهم لأعلى درجات العالم الروحي. إن علم حكمة الكابالا أظهرت للناس من الأعلى، وبالتدريج أخذت تظهر للبشرية وفي مرحلة معينة ستتدفق في قلوب ووعي الناس لتظهر لكل فرد في البشرية هدف حياته بوضوح. وفي النتيجة يشارك آلافٌ بل البلايين من الناس في مرحلة التصحيح وفي السعي وراء تحقيق هدف الخليقة.

  حاول الكثير حل لغز وهدف الخليقة لماذا أتينا إلى هذا العالم؟ ولماذا نعيش ونموت؟ ما هو هدف الخليقة بمنظور علم الكابالا؟ وكيف بإمكان الإنسان إحرازه؟

الإنسان هو محور الخليقة وهدفها. خلق الخالق البشرية ورغب في أن يرفع البشر إلى أرقى وأسمى درجة. مراحل “إحراز العالم الروحي ونور الخالق” تعني التعرف على سمات الخالق والتي تخدم كوسائل للتصحيح وأيضاً معرفة الهدف الأساسي للخليقة لأنه وبخلاف نمط الأساليب العلمية إن إحراز نور الخالق هو مكافأةٌ ورضا معطاةٌ لنا من عظمة سموه.

حسب تعليم علم حكمة الكابالا فالإنسان هو الخليقة بكاملها (الإنسان الأول- أدم). بعدما خلق أدم تحطمت نفسه وتبعثرت إلى أجزاء كثيرة. ومن المتوجب على كل جزء  من هذه الأجزاء أن يصلح نفسه بشكل منفرد عن طريق توازن هذا الجزء في سماته مع  سمات الخالق. كل مخلوق منا يتوجب عليه وبوعي أن يمر خلال مراحل التصحيح. فإن إصلاح كل جزء يسمح للنفس بأن تمتلئ من نور الخالق يعني أن هذه النفس تبدأ بالشعور بالخالق، هذا الشعور في أن الخالق يملء النفس هو شعورٌ جديدٌ، ومن خلال هذا الشعور نجد وندخل العوالم الروحية.

الهدف هو أن تمتلء النفس كلها من الخالق ولكن في الوقت الحاضر إن نفوسنا موجودةً في مرحلة أو على درجة تدعى (هذا العالم) وهو المكان الذي لا تشعر فيه النفس بالخالق إذ أنه محتجبٌ عن أنظارنا. عندما تدرك وتحرز النفس التواصل مع الخالق لأول مرة، ترتقي هذه النفس إلى الدرجة الأولى في العالم الروحي، عندها تبدأ بمراحل تغير سماتها لتكون متشابهةً بتلك التي للخالق أكثر فأكثر وبالتالي نشعر بنور الخالق أكثر فأكثر وبقوة وبشدة. عندما تصل جميع الأجزاء إلى مرحلة التصحيح الكاملة معاً ويرتقون إلى مكان أو مرحلة  تعرف بنهاية التصحيح

 لماذا خلق الخالق الخليقة مع شعور النقص في حال تقبلها لما تحصل عليه؟

هذا لسبب أنه يريد إيقاظ الحاجة في داخلنا لتغيير نيتنا من الإرادة في الأخذ إلى الإرادة في التقبل. وهذا أعطي فقط لهؤلاء الذين يرغب الخالق في تقريبهم منه. ومن أجل أن يكون في قدرتهم الإحساس بهذا يتوجب على الإنسان الإرتقاء إلى درجة إظهار الخالق ليشعر به على أنه قوى العطاء. إنه في إستطاعة الإنسان أن يسأل من الخالق الوصول إلى هذه الدرجة لأنها وجدت لمساعدة الإنسان في الوصول إلى هدف الخليقة.    

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*