www.hikmatelzohar.com-54

ليس هُنَالِكَ سِوَاهُ

هل تشعر وكأنك تواجه غضب وعذاب الخالق من دون سبب ؟ هل تتسائل عن سبب العذاب الذي تواجهه؟  وأين هو الخالق ولماذا يعاملك بهذا الأسلوب ؟

هذا الدرس مخصص لمقال “ليس هنالك سواه” والذي نصه عالم الكابالا يهودا أشلاغ الملقب بصاحب السلم وكتبه عالم الكابالا باروخ شالوم هالڤي أشلاغ والملقب بالراباش مع الكثير من المقالات الأخرى التي نقلها من معلمه صاحب السلم ودونها جميعها في مفكرته التي كان يحتفظ بها لنفسه،  نُشرت جميع المقالات التي كتبها في كتاب أطلق عليه إسم شامعتي” أنا سمعت” . يتميز هذا المقال عن غيره من المقالات الأخرى في أنه يحتوي على منهج علم الكابالا الكامل إذ أن كل جوهر علم حكمة الكابالا موجود فيما يتضمنه هذا المقال .

ليس هنالك سواه

اليوم السادس من شباط من عام ١٩٤٤

قد كتبليس هنالك سواه“. وهذا يعني أنه ليس هنالك من قوى أخرى تملك القدرة على أن تقوم بأي عمل ما ضد إرادته. وما يراه الإنسان من أن هناك أمورا في هذا العالم تنكر وجود السلطة العليا، هذا سببه أن هذه هي مشيئة الخالق وهذا ما يعتبر تصحيحا والذي يقال لهاليسار ترفض واليمين تقرب من المحور الرئيسي، معنى ذلك أن ما ترفضه اليسرى يعتبر تصحيحا. هذا يعني بأن هناك أمورا في هذا العالم تسعى من البداية إلى تحويل وإبعاد الشخص عن الطريق الصحيح، والتي بواسطتها يرفض الإنسان من القداسة، والفائدة من هذا الرفض أن من خلاله يحصل الشخص على الحاجة وعلى الرغبة التامة إلى مساعدة الخالق له وفقا لإدراكه بأنه تائه من دون مساعدته. ولا يرى أنه لا يتقدم في العمل فحسب بل يدرك أنه يرتد إلى الوراء، وبذلك يرى أنه يفقد القدرة على حفظ الأسفار والوصايا حتى وإن كانت للوليشما ( ليس من أجل إسم الخالق). وأنه فقط عن طريق التغلب الحقيقي على كل العوائق فوق حدود المنطق يمكنه أن يحفظ الأسفار والوصايا.ولكن ليس لديه القوة دائما للوصول إلى الإيمان فوق حدود المنطق وإلا فهو سيجبر لا قدر الرب على الإنحراف عن الطريق الصحيح حتى ولو من مكانه من لوليشما، والشخص الذي يشعر دائما بأن الأجزاء المبعثرة أعظم من الكل الكامل، أي أن هناك تراجع أكثر مما هناك من إحرازات، ويرى أنه ليس من نهاية لهذا الوضع، وأنه سيبقى إلى الأبد خارج القداسة، لأنه يرى أنه من الصعب عليه حفظ الوصايا حتى ولو بمقدار ذرة، ما لم يكن عن طريق إحراز الإيمان فوق حدود المنطق. ولكنه غير قادر على الغلبة دائما. فكيف ستكون النهاية؟

 عندها يتوصل إلى الإعتراف بأنه لا يمكن لأحد أن يساعده إلا الخالق نفسه. هذا يدعوه إلى أن يطلب ومن صميم قلبه أن يفتح الخالق عينيه وقلبه، وأن يقربه منه في إتحاد أبدي معه. وبالتالي يستنتج أن كل الرفض الذي عانى منه كان يأتيه من الخالق نفسه وهذا يعني أنه ليس لكونه على خطأ، أو لأنه لم يمتلك القدرة على تخطي الأمر. إنما لهؤلاء الذين يريدون حقا أن يقتربوا من الخالق  ولن يستقروا راضيين بالقليل،يبقوا كالأطفال غير مكتفين، من أجل هؤلاء أعطى عونا من الأعالي لكي لا يقولوا الشكر للرب عندنا الأسفار والوصايا والأعمال الصالحة فما لنا الحاجة إلى شيء آخر؟

 إذا إمتلك الإنسان الرغبة الحقيقية عندها فقط سوف يحصل على العون من الأعالي.وسوف يبدو له دائما كيف أنه على خطاء في وضعه الحاضر. أي سوف يتلقى أفكارا وآراء متناقضة مع عمله في تصحيح نفسه، وذلك لكي يدرك بأنه ليس متحدا مع الخالق.ومهما تخطى من العقبات فسوف يرى دائما كم هو بعيد عن القداسة أكثر من غيره من الذين يشعرون أنهم واحد مع الخالق ولكنه بالمقابل دائما لديه شكاوى وطلبات ولا يمكنه أن يبرر سلوك الخالق تجاهه وطريقة تعامل الخالق معه.ويحزنه عدم إرتباطه مع الخالق؟ وأخيرا يتوصل إلى الإحساس بأنه ليس له أي مكان في القداسة مهما كان الأمر عليه.

 رغم أنه وبشكل مستمر يحصل على يقاظات من الأعلى وهذا ما يحيه مؤقتا ولكنه سرعان ما يسقط في مكان وضيع. ولكن هذا ما يدفعه إلى الإدراك بأن الخالق وحده هو القادر على مساعدته وتقريبه منه بالفعل على المرء أن يحاول دائما أن يتشبث بالخالق بمعنى أن تكون كل أفكاره مع الخالق. وذلك يعني أنه حتى في أسوأ الحالات والتي لا إنحدار أكثر منها، عليه أن لا يخرج من تحت سلطة الخالق أي بأن يعتقد بأن هناك سلطة أخرى يمكنها أن تمنعه من دخول القداسة أو أن تجلب عليه نفع أو ضرر.

 أي أنه يجب ألا يظن أن هناك قوى أو إله آخر (الجانب الآخر) والتي تمنع الشخص من أن يعمل صالحا ويتبع طرق الخالق.ولكن بالأحرى يعلم بأن كل شيء هو من عمل الخالق.

 عالم الكابالا بعل شيم توف قال أن كل من يقول بأنه يوجد قوى أخرى في العالم بجانب الخالق، أي الكليبوت قوة غير طاهرة يكون هذا الشخص في حالةعبادة آلهة أخرى“.إذا ليس بالضرورة أن فكرة الهرطقةالإلحادوالبدع هي التعدي بحد ذاتها. ولكن إذا ظن الإنسان أن هناك سلطة أخرى وقوى منفصلة عن الخالق فبهذا هو يرتكب خطيئة. علاوة على ذلك أن كل من يقول بأن الرجل له سلطة مستقلة على نفسه أي أن يقول أنه هو بالأمس لم يرغب بإتباع طرق الخالق فهذا أيضا يعتبر إرتكاب خطيئة الإلحاد إذ أنه لا يؤمن بأن الخالق وحده هو مسير العالم.

 ولكن عندما يرتكب خطيئة فعليه بالتأكيد أن يندم عليها ويأسف على إرتكابه إياها. ولكن وحتى في هذه لا بد أن نضع الأسف والحزن في موضعهما الصحيح حيث الإشارة بالتحديد إلى السبب في إرتكاب الخطيئة فهذه هي النقطة التي يجب أن يندم عليها.

 ثم ينبغي أن يكون نادما ويقول: أنا إرتكبت خطيئة لأن الخالق ألقى بي إلى الأسفل أي من القداسة إلي القذارة. وهذا يعني أن الخالق أعطاه الرغبة والشهوة ليلهي نفسه ويستنشق الهواء في مكان ذو رائحة كريهة وقد تقول أنه مكتوب في الكتب أنه أحيانا يأتي الشخص متجسدا في صورة خنزير.يجب علينا تفسير هذا وكأنه يقول أن الشخص يحصل على رغبة وشهوة ليأخذ الحياة من الأشياء التي كان قد قرر أنها قمامة، ولكنه الآن يريد أن يحصل على التغذية منها أيضا.

 عندما يشعر المرء بأنه في مرحلة الإرتقاء، ويشعر بلذة في العمل وهنا يجب أن لا يقول: “الآن أنا في مرحلة أفهم فيها أن عبادة الخالق تستحق العناء”.بالأحرى عليه أن يعلم أنه الآن وجد نعمة في عيني الخالق، وبالتالي قربه الخالق إليه، ولهذا السبب يشعر الآن بلذة في العمل.وعليه أن يحذر من أن يترك مكان القداسة الذي وضعه فيه الخالق، ويقول بأنه يوجد هناك آخر يعمل إلى جانب الخالق وهذا يعني أن مسألة الإستحسان من قبل الخالق أو العكس أي أنه لم يجد معروفا في عيني الخالق، لا يعتمد هذا على الشخص نفسه ولكنه يعتمد على الخالق فقط. والمرء بتفكيره الخارجي لا يمكنه أن يستوعب أو يدرك لماذا فضله الخالق الآن وبعدئذ لم يفضله.

 وبطريقة مماثلة عندما يأسف الإنسان على أن الخالق لم يقربه إليه، عليه أيضا أن يحذر أن لا يكون إهتمامه منصبا على نفسه أي أنه بعيد عن الخالق.وذلك لأنه يصبح بهذا متلقيا لمصلحته الذاتية،وذاك الذي يأخذ لذاته يعزل بعيدا عن الخالق. ولكن بالأحرى يجب عليه أن يأسف على إبتعاد الشخينا الألوهية، أي أنه يسبب الحزن للألوهية.على الإنسان أن يتصور كما لو أن عضوا صغيرا في جسده يتألم فإن الذهن والقلب يشعران بالألم أيضا وعلى حد سواء.القلب والذهن أساس بنية الإنسان ككل. وبالتأكيد فإن إحساس عضو واحد لا يقارن بإحساس الشخص بقوامه الكامل حيث يشعر بالألم بشكل كلي.

 على النحو نفسه، الألم الذي يشعر به الشخص عندما يكون بعيدا عن الخالق.بما أن الإنسان ليس إلا عضوا واحدا في الشخينا المقدسة إذ أن الشخينا المقدسة هي الروح المشتركة لشعب الرب، إذا فإحساس العضو الواحد لا يتماثل بالشعور بالألم العام الذي يشمل الكل. وهذا يعني أن هنالك أسى في الشخينا عندما تكون الأعضاء مفصولة عنها وليس بإمكانها أن ترعى أعضائها.

 وينبغي علينا أن نقول إن هذا ما قاله حكماؤنا:”عندما يندم المرء، ماذا تقول الشخينا؟ بالتعبير إنه أخف من رأسي. فإن عدم نسب الشعور بالحزن للإبتعاد عن الخالق لذات الشخص فإنه يعفى من الوقوع في فخ الرغبة في التحصيل للذات الرغبة الأنانية والتي تعتبر إبتعادا عن القداسة.إن الأمر نفسه أيضا عندما يشعر الشخص بالتقرب من القداسة، عندما يشعر بالبهجة والفرح حين يجد نعمة من قبل الخالق.عندها أيضا يتوجب على الشخص أن يقول أن سبب بهجته هو أنه يوجد بهجة في الأعالي أي في الشخينا المقدسة في تمكنها من جلب أحد أعضائها بالقرب منها، وبأنها لم تضطر بأن ترسله بعيدا عنها،فإن الشخص يستمد البهجة من مكافئته لإرضاء الشخينا. وهذا وتوافقا لما ورد أنه عندما يكون هناك فرح جزئي فهو ليس إلا جزء من الفرح الكلي. تماشيا مع هذا يفقد الشخص فرديته ويتجنب الوقوع في فخ القوة الأخرى والتي هي الإرادة أو الرغبة في الأخذ لأجل مصلحته الأنانية.

 وبالرغم من أن الرغبة في الأخذ للذات -الرغبة الأنانية- ضرورية بما أنها تشكل ماهية الإنسان، وبما أن كل ما هو موجود في الشخص منفصل عن الأنا فيه أو عن الرغبة في الأخذ للذات لا ينتمي للمخلوق بل أنها تعزا للخالق، لكن يتوجب تصحيح الرغبة الأنانية لتصبح رغبة في العطاء المطلق.

 وبذلك نقول أن البهجة والفرح التي تحصل عليهماالإرادة في الأخذلا بد أن تكون ضمن إطار النية والقصد بأن هنالك رضا وسعادة في الأعالي حينما يشعر الخلق بالسرور، لأن هذا هو هدف الخليقةلمنفعة خليقته. وهذا ما يدعى فرح الشخينا في الأعلى.

 لهذا السبب، على الإنسان أن يلتمس النصيحة عن كيفية جلب الرضا للشخينا. وبالطبع عندما يحصل هو على السرور كذلك الشعور بالرضا سيملاء الشخينا. لذلك يتوق دائما لأن يكون في قصر الملك وأن تكون لديه القدره على التمتع بكنوز الملك. وهذا بالتأكيد سيؤدي برضا الشخينا في الأعالي.وبناء على ذلك لا بد أن يكون كل سعي الإنسان ورغبته فقط من أجل اسم الخالق.

إن عالم الكابالا الراباش دون وكتب كل ما سمعه من معلمه عالم الكابالا يهودا أشلاغ الملقب بصاحب السلم وعندما أتى تلميذه لدراسة علم الكابالا والتتلمذ على يده كان يسأله دائما أسئلة صعبة كانت تزعجه كثيرا طالبا الإجابة عليها ولكن الراباش كان دائما يتفادى الإجابة، ولكن بسبب إلحاء تلميذه بشكل دائم أعطاه الراباش مفكرته ليقرأها. كان هذا في عام ١٩٨١فعمل نسخة لنفسه وكان يقرأ مقالاتها لمدة عشر سنوات. وفي عام ١٩٩١ وقبل يوم واحد من وفاته دعا الراباش تلميذه وأعطاه المفكرة قائلا له أنها ملكك الآن ليأخذها ويتعلم منها.

يقول عالم الكابالا أن هذه المقالات مهمة جدا وعميقة جدا في مضمونها وفي كل مرة يقرأها الإنسان يكتشف شيئا جديدا فيها وبين الحين والآخر يأتي الشخص إلى درجة يعتقد بأنه يفهم كل ما هو هنالك ولكن عندما يقرأ هذه المقالات مرة تلو الأخرى يرى بأنه كان مخطئا في إدراكه إذ يجد أن فهمه السابق للأمور كان كاملا ولكن وبعد فترة عندما يعود إلى قراءة هذه النصوص يرى بأن عمقا جديدا ينكشف أمامه وإدراك جديد يظهر له وهذا بسبب أن معرفة ووعي الإنسان للمضمون يختلف حسب درجته الروحية التي يتواجد فيها ونحن ننصح كل شخص على قراءة مقالات شامعتي ولو حتى سطور قليلة في كل مرة إذ أنه يوجد قدر كاف حتى ولو في الكلمات القليلة لبعث النور في النفس .

دعونا الآن نبدأ في دراسة أكثر المقالات سعة وعمق في كتاب شامعتي، المقال الذي يحتل مكان الصدارة لأنه يحتوي في طياته على الأساس الذي يحتاجه الإنسان كقاعدة لبناء بحثه عن الخالق من خلال علم الكابالا.في البداية يجب علينا معرفة شيء واحد لا غير لنجعله قاعدة ثابثة ودائمة. يجب معرفة أن هناك قوى عليا واحدة ذات النفوذ المطلق والتي تحكم وتدير عالمنا. لها طريقة معينة في التعامل معنا ولا يوجد أحد قادر على التأثير أو التحكم بهذه القوة ولا أحد قادر على التسلط عليها أو تغييرها فهذه القوى هي قوة مطلقة.

((قد كتبليس هنالك سواه“. وهذا يعني أنه ليس هنالك من قوى أخرى تملك القدرة على أن تقوم بأي عمل ما ضد إرادته. وما يراه الإنسان من أن هناك أمورا في هذا العالم تنكر وجود السلطة العليا، هذا سببه أن هذه هي مشيئة الخالق وهذا ما يعتبر تصحيحا والذي يقال لهاليسار ترفض واليمين تقرب من المحور الرئيسي، معنى ذلك أن ما ترفضه اليسرى يعتبر تصحيحا. هذا يعني بأن هناك أمورا في هذا العالم تسعى من البداية إلى تحويل وإبعاد الشخص عن الطريق الصحيح، والتي بواسطتها يرفض الإنسان من القداسة، والفائدة من هذا الرفض أن من خلاله يحصل الشخص على الحاجة وعلى الرغبة التامة إلى مساعدة الخالق له وفقا لإدراكه بأنه تائه من دون مساعدته. ولا يرى أنه لا يتقدم في العمل فحسب بل يدرك أنه يرتد إلى الوراء، وبذلك يرى أنه يفقد القدرة على حفظ الأسفار والوصايا حتى وإن كانت للوليشما ليس من أجل إسم الخالق. وأنه فقط عن طريق التغلب الحقيقي على كل العوائق فوق حدود المنطق يمكنه أن يحفظ الأسفار والوصايا. ولكن ليس لديه القوة دائما للوصول إلى الإيمان فوق حدود المنطق وإلا فهو سيجبر لا قدر الرب على الإنحراف عن الطريق الصحيح حتى ولو من مكانه من لوليشما، والشخص الذي يشعر دائما بأن الأجزاء المبعثرة أعظم من الكل الكامل، أي أن هناك تراجع أكثر مما هناك من إحرازات، ويرى أنه ليس من نهاية لهذا الوضع، وأنه سيبقى إلى الأبد خارج القداسة، لأنه يرى أنه من الصعب عليه حفظ الوصايا حتى ولو بمقدار ذرة، ما لم يكن عن طريق إحراز الإيمان فوق حدود المنطق. ولكنه غير قادر على الغلبة دائما. فكيف ستكون النهاية؟))

إذا الخالق هو السلطة الوحيدة الحاكمة في الوجود وهو الذي خلق الإنسان بصفاته وسماته المميزة ووضعه في بيئة تساعده في السعي والوصول إلى هدف الخليقة أي الوصول إلى درجة الكمال في تحقيق التوازن في السمات بينه وبين الخالق. ومع هذا نرى أن الخالق لا يساعد الإنسان فقط وبشكل مباشر ولكنه يربكه محيرا إياه عن طريق المعضلات التي يضعها في طريقه كمعاناته في العمل أو العائلة أو ما إلى ذلك من معاناة الحياة التي تواجه الإنسان في حياته وهذا بسبب طبيعة الإنسان الأنانية إذ أن الإنسان لا يهتم بما خارج إطار الأنا لديه إلا إذا أحس بالمعاناة، والمعاناة هي التي تساعده في إحراز التقدم في سعيه تجاه العالم الروحي والتي بالتالي تعطيه القدرة على الوصول إلى درجة الكمال.

إن حالة المعاناة هذه تأتي إلى مرحلة النهاية عندما يدرك الإنسان أنه لا يوجد أي شيء في العالم يستطيع مساعدته إلا الخالق وحده. هذا الإدراك يولد رغبة حقيقية في قلب الإنسان ليطلب من الخالق أن ينير بصره ويفتح قلبه ويقربه من الهدف ليعيش للأبد مع الخالق.

فالخالق يرغب في أن يرتقي الإنسان كافة درجات العالم الروحي ولكن يجب على الإنسان أن يعلم بأنه لا يستطيع إحراز العالم الروحي من دون مساعدة الخالق له فالإنسان مهما بلغ من القوة والعظمة فهو لا يستطيع الوصول إلى هدف الخليقة من تلقاء نفسه إذ أن إختلاف سماته مع سمات الخالق هو سبب  المعاناة والعذاب الذي يعاني منه. لذلك ونتيجة لهذا التناقض في إختلاف السمات نجد أن جميع ما نراه من حولنا في هذا العالم ليس إلا مجرد إنعكاس صورة هذه السمات مقابل النور فما نراه أمامنا هو سماتنا نحن وكأننا نشاهدها على خشبة مسرح أمامنا. فالشخص لا يستطيع الإحساس بالنور عندما يشع من الأعلى ولكن بالأحرى يشعر بصفاته وخصائله السلبية أمام النور، ومن أجل أن يشعر هذا الشخص بالنور في نفسه يجب أن يحرر ويطهر نفسه من الأنانية وشرها وجميع عراقيلها. فعندما يصرخ الإنسان طالبا نجدة الخالق ومساعدته فجأة يرى وبوضوح أن كل العقبات والتحديات التي إختبرها والتي عانى منها كلها جاءت من الخالق.

يجب علينا أن ندرك بأن مبدأ “ليس هنالك سواه” هو فوق كل ما يواجه الإنسان من صعوبات في الحياة والتي وضعت أمامنا عمدا لتضليلنا عن الطريق الصحيح لكي نتعلم أن نتناغم متوافقين بإنسجام مع القوى العليا والتي هي مصدر الحياة الوحيد.

((عندها يتوصل إلى الإعتراف بأنه لا يمكن لأحد أن يساعده إلا الخالق نفسه. هذا يدعوه إلى أن يطلب ومن صميم قلبه أن يفتح الخالق عينيه وقلبه، وأن يقربه منه في إتحاد أبدي معه. وبالتالي يستنتج أن كل الرفض الذي عانى منه كان يأتيه من الخالق نفسه وهذا يعني أنه ليس لكونه على خطأ، أو لأنه لم يمتلك القدرة على تخطي الأمر. إنما لهؤلاء الذين يريدون حقا أن يقتربوا من الخالق  ولن يستقروا راضيين بالقليل،يبقوا كالأطفال غير مكتفين، من أجل هؤلاء أعطى عونا من الأعالي لكي لا يقولوا الشكر للرب عندنا الأسفار والوصايا والأعمال الصالحة فما لنا الحاجة إلى شيء آخر؟

إذا إمتلك الإنسان الرغبة الحقيقية عندها فقط سوف يحصل على العون من الأعالي. وسوف يبدو له دائما كيف أنه على خطاء في وضعه الحاضر. أي سوف يتلقى أفكارا وآراء متناقضة مع عمله في تصحيح نفسه، وذلك لكي يدرك بأنه ليس متحدا مع الخالق. ومهما تخطى من العقبات فسوف يرى دائما كم هو بعيد عن القداسة أكثر من غيره من الذين يشعرون أنهم واحد مع الخالق ولكنه بالمقابل دائما لديه شكاوى وطلبات ولا يمكنه أن يبرر سلوك الخالق تجاهه وطريقة تعامل الخالق معه. ويحزنه عدم إرتباطه مع الخالق؟ وأخيرا يتوصل إلى الإحساس بأنه ليس له أي مكان في القداسة مهما كان الأمر عليه.

رغم أنه وبشكل مستمر يحصل على يقاظات من الأعلى وهذا ما يحيه مؤقتا ولكنه سرعان ما يسقط في مكان وضيع. ولكن هذا ما يدفعه إلى الإدراك بأن الخالق وحده هو القادر على مساعدته وتقريبه منه بالفعل على المرء أن يحاول دائما أن يتشبث بالخالق بمعنى أن تكون كل أفكاره مع الخالق. وذلك يعني أنه حتى في أسوأ الحالات والتي لا إنحدار أكثر منها، عليه أن لا يخرج من تحت سلطة الخالق أي بأن يعتقد بأن هناك سلطة أخرى يمكنها أن تمنعه من دخول القداسة أو أن تجلب عليه نفع أو ضرر.

أي أنه يجب ألا يظن أن هناك قوى أو إله آخر أي الجانب الآخر والذي يمنع الشخص من أن يعمل صالحا ويتبع طرق الخالق. ولكن بالأحرى يعلم بأن كل شيء هو من عمل الخالق)).

يسمح الخالق بالمعاناة من أجل أن يعود الإنسان عن شره ويغير طريقه ليسعى وراء الهدف الذي وضع في هذا العالم من أجله. ففي طبيعة الإنسان عندما يكون كل شيء على ما يرام وجميع الأمور تسير حسب رغبته وأنه يحصل على كل ما يريده فشي دنياه فهو لا يسأل عن الخالق ولا يهتم لبرهة إذا ما كان الخالق ظاهرا أو مستترا أو حتى إذا كان موجودا ولكن عندما تتعسر الأمور وتأتي المصاعب وتحل به المحن يأخذ في مناجاة الخالق راغبا في التواصل معه.

من الضروري جدا للإنسان في أن يتواجد في حالة وحدوية وتوازن مع الخالق وخاصة عندما يكون في حالة جيدة وكل شيء في حياته يسير على ما يرام. ففي طبيعة الإنسان الأنانية يصعب عليه التفكير بأي أحد آخر إلى جانب نفسه، فقط عندما يشعر بالسؤ يبدأ في التفكير بالخالق وفي البحث عنه ولكن عملنا يعتمد وبشكل كبير جدا على حالة تواجد الإنسان في توازن وفي تقارب من الخالق عندما يكون في حالة جيدة وسعيد ومن دون أن يشعر بأي سؤ في حياته.

نحن نرى هنا بأن علم الكابالا يتكلم عن أعلى وأنقى درجة روحية من الممكن أن يتواجد الإنسان فيها من الفهم والإدراك الروحي في إرتباطه مع الخالق. فإن الإنسان الذي يعيش حياته من دون هذا الإرتباط مع خالقه تأتيه ضربات القدر بشكل غير متوقع. فكل واحد منا يتواجد تحت عناية وإدارة الخالق ويعيش تحت سلطته وهذه السلطة تظهر في جلاء له من خلال المعاناة التي تواجهه في حال نسيانه للخالق. وليذكرنا الخالق بوجوده يرسل لنا إشارات على شكل أوجاع ومعاناة إذ أنها الطريقة الوحيدة التي تستطيع خرق نظام الأنا، ومن خلال هذه الأوجاع يعلمنا ضرورة توجيه أفكارنا وقلوبنا نحوه وهذا هو الشيء الوحيد المطلوب من الإنسان.

لقد كتب صاحب السلم قائلا(( يتوجب على الإنسان في كل حين أن يحاول الإلتصاق والتعلق بالخالق)). وهذا يعني بأن يسعى الإنسان في أن يرغب ويفتكر معنى أن يكون مرتبطا بالقوى العليا التي تدير وتسير حياته. فما هو المقصود في أن يلتصق الإنسان بالخالق؟ لقد ورد في المقال أنه يجب أن تكون أفكار الإنسان مع الخالق. ولكن نتسائل هنا أليست هذه بمرحلة نهاية التصحيح عندما يصل الإنسان إلى درجة الكمال في توازنه مع الخالق بشكل تام عندها يستطيع أن يتواجد في وحدوية مع الخالق؟ لا، إذ أن الإنسان يكتشف الرغبات التي يستطيع العمل من خلالها وفقط حسب مدى عمق هذه الرغبات يستطيع الإنسان الإلتصاق بالخالق. فحسب إتساع وعمق الرغبة التي تظهر وبقدر درجة تلفها وإنحرافها وإلى مدى محاولتها في قوة جذب الإنسان وسحبه وراءها بهدف إعاقته وعرقلته في الطريق.هنا وفي هذه المرحلة، إذا عمل الإنسان على كبح جماح هذه الرغبات والتغلب عليها محاولا ربطها بالمصدر الوحيد أي القوى العليا- الخالق والذي هو مصدر كل ما يأتي على الإنسان، عندها يكون بإمكانه الوصول والإلتصاق بالقوى العليا على مستوى قدرته في التغلب في عدم الإنجراف وراء الرغبات الأنانية. وهذه الجهود التي بذلها تصبح أساسا له للدرجة التي تليها.

عندما قال: (( وذلك يعني أنه حتى في أسوأ الحالات والتي لا إنحدار أكثر منها، عليه أن لا يخرج من تحت سلطة الخالق)). هذا يعني أن الإنسان دائما يسهى عن أن هناك قوى واحدة لا غير وهي قوى تتميز بطابع المحبة والخير، وتهدف بتنميته وأن تأتي به إلى الهدف النهائي ليتمتع بالإكتفاء التام والسعادة الأبدية، ولكنه مضطرب ومحتار من جهة أساليب وطرق عمل هذه القوى معه متخبطا في كل متاهات الحياة ناسيا الخالق ومعتقدا أن هناك قوات أخرى ذات سلطة مختلفة تؤثر عليه محاولا الدفاع عن نفسه ضدها بمختلف الأساليب ويعتقد بأن هذا هو قدره وهكضذا فهو يعيش حياته كما الآخرين من حوله.وهذا ما يدعى بأسواء إنحدار ولكن وبالرغم من هذا الإنحدار يوجد في قلبه فكر صغير جدا في أن الخالق هو الذي يتعامل معه وهناك يجب عليه أن يتشدد ويجمع قواه ولا يترك مكانه أي أن يخرج عن إطار هذا الفكر.

(( أي أنه يجب ألا يظن أن هناك قوى أو إله آخر (الجانب الآخر) والتي تمنع الشخص من أن يعمل صالحا ويتبع طرق الخالق. ولكن بالأحرى يعلم بأن كل شيء هو من عمل الخالق)).

  يجب على الإنسان ألا يظن بأن هناك سلطة أخرى أو مصدر آخر إلى جانب الخالق. علم الكابالا يوضح بأن نتيجة تحطم النفس البشرية عند سقوط أبونا أدم من العوالم الروحية أنه يوجد هناك قوات طاهرة وما ينسب إليها بالقداسة، وقوات غير طاهرة وهي ما تدعى “الكليبوت”. ويعتقد الناس بأن هذه القوات تبدو وكأنها قوتان تتعاركان معا بسبب عدم قدرة الإنسان على ربط الخير بالشر فتبدو لنا هذه القوات وكأنها متباعدة ومتناقضة وكأن الواحدة مكرهة الأخرى والإنسان موجود بينهما. لذلك إن عملنا نحن محصور في ربط هاتين القوتين معا قوة الخير وقوة الشر في المصدر التي نشأت منه أي الخالق إذ أن كلتاهما تعملان معا على الشخص. ففي الحقيقة أنه لا يوجد هناك شر ولكنها الطريقة التي يتواصل بها الخالق مع الإنسان من أجل أن يحثه ليعمل على تغيير سماته الأنانية.

إذا كل شيء يأتي من الخالق ولا يوجد هناك أي مصدر آخر، لا يستطيع الإنسان عمل أي شيء بنفسه فالإنسان نقطة وهذه النقطة فيها ترتبط جميع تأثيرات هذه القوات مع المصدر فهذا هو دور الإنسان في الوجود وهذا هو همه في هذا العالم وكل ما يعمله يجب أن يكون نتيجة جهده الذي يبذله نحو الهدف.

 (( عالم الكابالا بعل شيم توف قال أن كل من يقول بأنه يوجد قوى أخرى في العالم بجانب الخالق، أي الكليبوت-قوة غير طاهرة- يكون هذا الشخص في حالةعبادة آلهة أخرى “. إذا ليس بالضرورة أن فكرة الهرطقةالإلحادوالبدع هي التعدي بحد ذاتها. ولكن إذا ظن الإنسان أن هناك سلطة أخرى وقوى منفصلة عن الخالق فبهذا هو يرتكب خطيئة. علاوة على ذلك إن كل من يقول بأن الرجل له سلطة مستقلة على نفسه أي أن يقول أنه هو بالأمس لم يرغب بإتباع طرق الخالق فهذا أيضا يعتبر إرتكاب خطيئة الإلحاد إذ أنه لا يؤمن بأن الخالق وحده هو مسير العالم)).

لا يوجد أي فكر يأتي للإنسان لم يرسله الخالق له، فهذا أمر محتوم منذ بداية الخليقة ولا يمكننا تغير أي شيء فيه. إذا كيف يتمكن الإنسان من معرفة ذاته؟ وإذا كان كل ما هو موجود محتوم منذ البداية فمن هو الإنسان؟.الإنسان هو الخليقة، وهو قادر على الشعور بالعالم الروحي ومعرفة نظامه وعمل قواته. في البداية يشعر الإنسان بالعالم الروحي بإحساس ينتابه التشويش والإلتباس وكأنه عالم تسوده الفوضى وذلك بسبب أن العالم الروحي يحاول أن يخترق ويتغلغل في كيان الخليقة ونتيجة جميع المحاولات والتصادمات مع المساخ الذي للإنسان ما يؤدي به إلى الإحساس بالتشويش، ولكن وبالتدريج يأخذ الخالق في إيجاد مكانه في الإنسان وحينها نرى بأن الأمور على ما يجب أن تكون عليه وفي إطارها الصحيح متكاملة وتسير في نظام محكم خاضع لقوانين ثابتة.

فإعتقاد الإنسان في وجود قوى أخرى إلى جانب الخالق يعتبر هذا عبادة أوثان أي أنه لا يؤمن بسلطة الخالق على أنها السلطة المطلقة ولا يعي بأن القوى التي تؤثر عليه هي الخالق نفسه وليس قوى منفصلة وذات سلطة مستقلة ولها القوة والإرادة في أن تؤذيه أو تجلب له الحظ. إذا أخذ الإنسان في التركيز على رؤية الخالق وراء كل ما يحصل معه في حياته فمن خلال الجهد الذي يبذله في ذهنه ليصل إلى هذه المعرفة، عندها سيكتشف الطريقة الصحيحة في ربط الأمور بشكل صحيح، ويكتشف طريقة التعامل مع واقعه بأسلوب صحيح متفاديا الخطاء والإلتباس والحيرة. فالجهد هو الأكثر أهمية إذ أنه يبني السلوك الصحيح في الإنسان على خلاف الذين يقولون بأن كل شيء يأتي من الخالق أكان خيرا أم شرا فما جدوى التعب. فهذا منطق غير صحيح ويخلق الكثير من التصرفات الغير صحيحة. ويظهر هذا في تصرفات هؤلاء الذين لا يعوا مبدأ “ليس هنالك سواه”. في هذه الحالة يخطىء الإنسان وينحرف عن الهدف

وهذا هو معنى الخطيئة.فالخطيئة ليست كما نعتقد بشكل عام في عمل الإنسان لفعل قبيح ضد الخالق، فكيف للإنسان أن يؤذي الخالق إذا لم يكن للخالق إرادة في التقبل؟ أن يخطىء الإنسان أي أن لا يسير في الطريق الصحيح لإحراز هدفه في حياته.وأما الإنسان الذي يلحد هو الإنسان الذي يفتكر ولو للحظة واحدة بل لبرهة واحدة بأن كل شيء لا يأتي مباشرة من الخالق.

(( يعني أنه لا يؤمن بأن الخالق وحده هو مسير العالم )). كلمة يؤمن في علم الكابالا تعني”يجد بمعنى يكتشف” لماذا؟ الإيمان هو قوة السفيرا بينا، وبينا هي قوى العطاء.عندما يملك الإنسان قوة العطاء وفقا لمبدأ التوازن في السمات عندها يكتشف ويشعر بالخالق في كونه قوى العطاء الكاملة وعندها يؤمن الإنسان بأن الخالق وحده يقود العالم. لقد تعلمنا من علم حكمة الكابالا بأن الخالق خلق الإرادة في التقبل أي الرغبة “النقطة في القلب” والتي وجدت من اللاشيء، بعد ذلك أخذت الرغبة في النمو والتطورمن خلال النور وقوى العطاء. فإن لم تتواصل قوى العطاء في ترابط مع هذه الرغبة لبقيت هذه النقطة على وضعها ومن دون تغيير.بعبارة أخرى إن كل التغيير الذي يحصل في داخل الرغبة يأتي من النور،فالنور “قوى العطاء” وهو الوحيد الذي يعمل مؤثرا على المادة “الرغبة”.فلولا تبعثر نفس أدم والتي هي بمثابة الإناء الروحي للنور إلى أقسام صغيرة جدا ودخول الشرارت الصغيرة إلى الإرادة في التقبل “الرغبة-الإرادة في التقبل” لبقيت هذه الرغبة جامدة ولا حياة فيها إذ لا يوجد فيها أي قوة لعمل أي شيء، فالحياة للرغبة تأتي من الإنطباع الذي يخلفه النور من خلال وجود الشرارة فيها والتي تدعى “ريشيمو”، حينها تصحو الرغبة في طلب شيء ما بغرض إيجاد الملذة والمتعة. فكلما إزدادت كمية النور في الرغبة كلما قربت الرغبة من مصدر النور أي من الخالق إذ أنه الوحيد الذي يعطي الرغبة الإحساس بالإكتفاء الكامل والأبدي والتمتع بالملذة التي كانت تسعى الرغبة وراءها. فالخالق هو الذي يسير العالم من خلال ملء الرغبة “الإرادة في التقبل” والتي تدعى ليبا أي القلب والذي يشعر ويحس بالمصدر والهدف، والموخا “المخ أو عقل الإنسان” الذي يعمل خلال كافة المراحل التي يخطوها الإنسان. فالخالق هو القوى التي تدير الإنسان عن طريق الرغبات ولا يوجد قوى أخرى غيره.

(( ولكن عندما يرتكب خطيئة فعليه بالتأكيد أن يندم عليها ويأسف على إرتكابه إياها)).  لماذا يخطئ الإنسان؟ وما هو السبب الذي يؤدي به إلى الإنفصال عن الخالق وعن الهدف؟ ولماذا ينسى مصدر حياته ومنبعه أو مصدر الوجود؟

(( ولكن وحتى في هذه لا بد أن نضع الأسف والحزن في موضعهما الصحيح حيث الإشارة بالتحديد إلى السبب في إرتكاب الخطيئة فهذه هي النقطة التي يجب أن يندم عليها)). فمن الذي أدى بالإنسان إلى أن يخطئ وما هو السبب الذي أدى به إلى إرتكاب الخطاء؟ كما شرحنا من قبل، إن الخالق وحده هو الذي يدير الكون بإرادته الخيرة وسلطته المطلقة، فكيف وهو رمز الخير والعطاء والمحبة يدفع بالإنسان أن يخطئ؟ إلى جانب تصنيف وترتيب وربط كل ما يحدث مع الإنسان  بالمصدر الوحيد، هنا يظهر لدينا فهم جديد مما يقودنا إلى التساؤل فيقول الإنسان في نفسه لما تقع علي أنا مسؤولية تنظيم جميع هذه الأحداث وربطها بالمصدر؟ وما الذي سأجنيه إذا قمت بكل هذا العمل؟ هل سيعود هذا علي بالسعادة والأمان والعيش الرغيد؟ ويقول في باله، على أي حال شكرا للخالق فهو السلطة الوحيدة في هذا الوجود ولا يوجد هناك سواه، وكالجنين في الرحم هكذا يهتم ويعتني بي وأنا قائم تحت سلطته والشكر له على كل ما يأتي من عنده؛ ولكن هنا يجب أن يزيد الإنسان من ثقته وإيمانه مذكرا نفسه بمحبة الخالق الذي يريد إغداق كل ما هو حسن وطيب وجيد عليه، وإن الألم الذي يشعر به هو بسبب إنفصاله عن الخالق عالما بأن هذا يؤلم الخالق أكثر بكثير من الألم الذي يشعر هو به.

النقطة المهمة هنا هو أن كل الجهد الذي يبذله الشخص هنا تعود ثائدته على الخالق وليس عليه. أي أن حزن الإنسان هو في بعده عن الخالق وألمه ليس لما يشعر هو به بل لسبب الألم الذي يسببه هو للخالق.

فما هي أهمية إدراك الشخص للواقع بشكل صحيح؟ وما هي نتيجة الإدراك الصحيح؟ هل ليريح قلبه ويطمئن نفسه بأن الخالق يهتم بكل شيء وليس له بأن يهتم ويأرق بل يترك كل شيء للخالق.هل هذا هو الهدف؟

يقول صاحب السلم بأنه يتوجب على الإنسان أن يأخذ على عاتقه تنظيم الأحدات والآلام التي يشعر بها وذلك بسبب أنه في الماضي لم يكن بإستطاعته القيام بهذا العمل. فما الذي يتأسف عليه الإنسان إذا؟ هل يتأسف على إساءة الخالق له أم على عدم قدرته على تنظيم الدرجات التي سبق ومر بها وبالرغم من أنه كان مرتبطا مع الخالق ولكن لم يكن بوسعه أن يغدق على الخالق من دون أي عائد على نفسه.في النهاية إما أن يتأسف الإنسان على عدم قدرته على إرضاء الخالق أو على العكس أن لا يبالي بالأمر.

((ثم ينبغي أن يكون نادما ويقول:أنا إرتكبت خطيئة لأن الخالق ألقى بي إلى الأسفل أي من القداسة إلي القذارة. وهذا يعني أن الخالق أعطاه الرغبة والشهوة ليلهي نفسه ويستنشق الهواء في مكان ذو رائحة كريهة، وقد تقول أنه مكتوب في الكتب أنه أحيانا يأتي الشخص متجسدا في صورة خنزير. يجب علينا تفسير هذا وكأنه يقول أن الشخص يحصل على رغبة وشهوة ليأخذ الحياة من الأشياء التي كان قد قرر أنها قمامة، ولكنه الآن يريد أن يحصل على التغذية منها أيضا)) . إذا الخالق هو الذي رمى الإنسان خارجا. إذا وجد الإنسان ولو للحظة واحدة خارج نطاق الوحدوية والتوازن مع الخالق والتي تدعى القداسة سيجد نفسه خارجا لأنه من المستحيل تواجد الإنسان مع الخالق إلا في حال الوحدوية.كلمة القذارة هي الأفكار الغريبة والتي لا يستطيع الإنسان إيجاد ربطها مع المصدر لتكون الرابط بينه وبين الخالق. ((ويستنشق الهواء في مكان ذو رائحة كريهة)) أي أن الإنسان لم يكن يعمل من خلال صفة العطاء، وأما العمل من خلال الأفكار الأنانية والتلذذ مما يجتنيه منها وهذا ما يقال فيه أن كل ما يتقيأه الإنسان عاد الآن ليأكله كما يقال عادت الحماء إلى قيئها.

(( عندما يشعر المرء بأنه في مرحلة الإرتقاء ويشعر بلذة في العمل وهنا يجب أن لا يقول:” الآن أنا في مرحلة أفهم فيها أن عبادة الخالق تستحق العناء“.بالأحرى عليه أن يعلم أنه الآن وجد نعمة في عيني الخالق، وبالتالي قربه الخالق إليه، ولهذا السبب يشعر الآن بلذة في العمل. وعليه أن يحذر من أن يترك مكان القداسة الذي وضعه فيه الخالق، ويقول بأنه يوجد هناك آخر يعمل إلى جانب الخالق وهذا يعني أن مسألة الإستحسان من قبل الخالق أو العكس أي أنه لم يجد معروفا في عيني الخالق، لا يعتمد هذا على الشخص نفسه ولكنه يعتمد على الخالق فقط. والمرء بتفكيره الخارجي لا يمكنه أن يستوعب أو يدرك لماذا فضله الخالق الآن وبعدئذ لم يفضله))

يبدو للإنسان أنه يتقلب بين عدة درجات أو مراحل في الحياة فمرة يشعر بأنه في حالة حسنة وكل شيء يسير كما يليق به وأنه يعيش في طهارة ونقاوة، وأحيانا أخرى يشعر وكأن الهموم تغمره ويشعر باليأس والمأساة وأن كل شيء يسير معاكسا لما يبغاه. فما هو مرام الخالق في التعامل مع الإنسان بهذه الطريقة؟ يجب على الإنسان أن يعي بأنه جزء صغير من جسد البشرية والذي هو درجة عظيمة وكاملة وهو يحاول أن يجد مكانه ليرتبط به بشكل صحيح وسليم. وكالخلايا في الجسد نجد أن كل خلية فيه تعي مكانها وعملها وكيفية ترابطها مع الخلايا الأخرى،وتعي أيضا مدى أهمية عملها لهدف إبقاء الجسد على قيد الحياة، كذلك الإنسان عندما يعي معنى هدفه في الحياة وأهمية دوره ومكانته في جسد البشرية يعلم كيف يربط نفسه في هذا الجسد، فكعمل الخلية إذ تأخذ حاجتها لتبقى على قيد الحياة وتعطي كل شيء للآخرين عاملة كل ما بوسعها لتحافظ على حياة الجسد، هكذا الإنسان يأخذ ما يحتاجه ليبقى على قيد الحياة ويساهم بدوره ليحافظ على حياة جسد البشرية في عطاء مطلق، عندها يرتقي درجات السلم الواحدة تلو الأخرى إلى أن يصل إلى نهاية التصحيح.

هنا يدرك الإنسان كيف يتوجب عليه تصنيف وترتيب جميع الأحدات بشكل صحيح لأنه في هذه المرحلة قادر على معرفة كل شيء إذ أنه يعرف مصدر الأحداث وهدفها وبالتالي يستطيع حساب المعادلة بشكل صحيح إذ أنه الآن جزء من النظام الذي يسير الوجود به لذلك الآن يعلم سبب معاملة الخالق له على ما كان يبدو له أنها طريقة سيئة أو جيدة، فإنه فقط من درجة نهاية التصحيح يستطيع الإنسان رؤية الحقيقة وقوانين النظام الذي يسير الكون عليه.

الفكر السطحي للإنسان يظهر له أنه ليس جزء من النظام وهو بعيد عن الخالق بسبب عدم التوازن في السمات والذي عن طريقه يكون قادرا على التقرب من الخالق ومعرفة فكره وأفعاله. من دون أن يحقق الإنسان التوازن الشكلي في السمات بينه وبين الخالق يكون من المستحيل عليه فهم وتبرير أفعال الخالق نحوه. نحن ذكرنا أن الإنسان يصنف كل التأثيرات التي يشعر بها في فئتين، إما الجيد أو السيء، وهذا يتماشى مع ميزاته وحسب الإحساس الذي لديه في رغبته. فالمثل يقول “بأن كل إنسان يحكم في الأمور من خلال عيوبه أو نقصه”. فإذا كانت رغباته أنانية فيشعر الإنسان بالسعادة في ملئها وأما إذا كانت الرغبات غير أنانية فالإنسان يشعر بالسعادة عندما ينعم على الآخرين في سخاء تام.

تماشيا مع ما سبق ذكره نرى أن الإنسان هو الذي يحدد طريقة الخالق في التعامل معه. فإذا كان لا يوجد هناك سواه إذا هذه القوى العليا هي التي تعد طريقة تصحيحه وتعطيه أن يشعر بظواهر الرغبات على هذا النحو ولكن وإلى مدى تصحيح الإنسان لرغباته وفقا للقوانين التي وضعها الخالق يحصل هذا الإنسان على الفطنة والفكر الصحيح لمعرفة كيقية عمل القوانين الروحية وعندها يرى بأن الخالق لم يعامله بطريقة سيئة أبدا ولكن كان يبدو له هذا بسبب عدم قدرته على ربط كل الأحداث لقانون ليس هنالك سواه.

إن مبدأ ليس هنالك سواه هو مصدر كل الشر وكل الخير في العقل وفي القلب وفي الأحاسيس المختلفة والحيرة التي نعاني منها في هذه الحياة.

(( وبطريقة مماثلة عندما يأسف الإنسان على أن الخالق لم يقربه إليه، عليه أيضا أن يحذر أن لا يكون إهتمامه منصبا على نفسه أي أنه بعيد عن الخالق. وذلك لأنه يصبح بهذا متلقيا لمصلحته الذاتية، وذاك الذي يأخذ لذاته يعزل بعيدا عن الخالق. ولكن بالأحرى يجب عليه أن يأسف على إبتعاد الشخينا -الألوهية، أي أنه يسبب الحزن للألوهية. على الإنسان أن يتصور كما لو أن عضوا صغيرا في جسده يتألم فإن الذهن والقلب يشعران بالألم أيضا وعلى حد سواء. القلب والذهن أساس بنية الإنسان ككل. وبالتأكيد فإن إحساس عضو واحد لا يقارن بإحساس الشخص بقوامه الكامل حيث يشعر بالألم بشكل كلي.

على النحو نفسه، الألم الذي يشعر به الشخص عندما يكون بعيدا عن الخالق. وبما أن الإنسان ليس إلا عضوا واحدا في الشخينا المقدسة إذ أن الشخينا المقدسة هي الروح المشتركة لشعب الرب، إذا فإحساس العضو الواحد لا يتماثل بالشعور بالألم العام الذي يشمل الكل. وهذا يعني أن هنالك أسى في الشخينا عندما تكون الأعضاء مفصولة عنها وليس بإمكانها أن ترعى أعضائها)).

عندما يتساءل الإنسان عن وجود الخالق وعن سبب إبتعاده عنه يبدو لنا هذا وكأنها صلاة إذ أن الإنسان يسكب قلبه طالبا القرب من الخالق. فالشخص يبكي أو يغصب أو يرفع صوته بشدة يناجي الخالق لمساعدته ولكنه قيل “إن شعبي تنهد وتأوه بحسرة بسبب العبودية”. ولكننا نتسأل هنا ما المقصود بكلمة “تنهد”؟ وما هو الضعف ونوع الضغط الذي يجب على الإنسان إكتشافه ليصل إلى مرحلة التنهد؟ فعندما يبكي الإنسان صارخا لا يستجاب له إذ أن صراخه من أجل الإرادة في التقبل فيه لتلبية رغباته الأنانية في حب الذات. بل يجب عليه أن يستقل بذاته مبتعدا عن رغباته الأنانية وكالخلية بالجسد يكون همه الوحيد متركز على الإهتمام بالخلايا الأخرى مؤديا دوره لمساعدتها ومنفعتها .

لماذا يتوجب على الفرد التفكير على هذا النحو؟ ومن ناحية أخرى هل من الممكن أن يشعر الخالق بالحزن والأسى؟ فهو قوى العطاء الكامل وهو السمو والجود والورع والتقوى وليس له إرادة في التقبل فكيف إذا يستطيع أن يشعر بالفرح أو بالأسى من تصرفات الإنسان تجاهه؟

الخالق هو قوى العطاء ورغبته أن يغدق كل الخير على الإنسان ومن دون حدود. فإذا أخذنا مثل الضيف والمضيف فإن المضيف يفرح في حال أن الضيف تقبل منه كل شيء بسرور، ولطالما الضيف سعيد ومكتفي يكون المضيف مكتفيا، ليس أن الضيف في هذه الحالة يقدم أي شيء للمضيف ولكن كل ما يقوم به هو أن يتلقى من المضيف كل ما يقدمه له بسرور وهكذا يعبر الضيف عن حالته.وهذا ما يدعى فرح الشخينا أو حزنها.إن كلمة “شخينا” في لغتها الأصلية تأتي من الجذر شوخن ومعناها ساكن أو مقيم أو كامن بداخل أحد أو شيء ما. فعندما تقيم الشخينا في المخلوق أي أن الخالق راضيا ومسرورا بإيجاده مكانا يقيم به مع المخلوق كما هو الحال في مثل المضيف إذ أنه مسرور في تواجده مع الضيف وتقديم كل ما لديه لإسعاده. وفي حال رفض الضيف لما يقدم إليه فهذا ما يبعث الحزن والأسى في نفس المضيف وهذا هو المقصود بالقول ((هنالك أسى في الشخينا)).

إذا أصاب الشخص ولو مكروه صغير، لنقل على سبيل المثال إذا دخلت شوكة في إصبع يديه فنجده يتأوه ومنزعج بسبب الألم الذي يشعر به ونرى أنه من الصعب أن يهداء ويرتاح قبل أن يخرج الشوكة من إصبعه.وهكذا نرى تأثير ألم صغير على الجسد بكامله. بما أن الإنسان جزء من النفس البشرية التي تدعى أدم فإذا كان هذا الجزء فاسدا فإن الجسد بكامله يشعر بتأثير هذا الفساد. فمن خلال النظام عمل الجسد نرى بأن الخلية المصابة تتألم ولكن ألمها ليس بسبب وجود الشوكة بها إنما بسبب أن الألم يتسرب إلى جميع الخلايا في الجسد من خلالها. فإذا كان ألم الإنسان ليس لنفسه بل من أجل الألم الذي سببه للآخرين والفساد الذي جلبه على كامل النفس ولعدم قدرة الخالق في أن يقيم معهم بسبب هذا الألم، هذا ما يدعى بالأسى الحقيقي وهذا بالتحديد ما يحتاج الإنسان أن يتأسف عليه ومن كل قلبه.

لا يجب على الإنسان عدم المبالاة بالألم القليل الذي يشعر به إذ أن في محاولته في الإرتباط بالآخرين يرى كمية الألم الذي سببه للجميع بسبب فساده وعندها يرى أنه لم يكن ألم صغير ولم يكن على نفقته لوحده. إذا يجب على الإنسان أن يشعر بالألم وبنوعية الألم الذي يسببه للآخرين. يجب عليه أن يعي مدى إرتباطه بالآخرين وبنظام وحدوية الجسد وكم من الألم الذي يسببه للخالق في عدم قدرة الخالق على أن يرتبط به ويقيم في جميع أجزاء النفس بسبب الفساد الذي فيه وحده. حتى في حال أن الشخص لا يأخذ المسؤولية على عاتقه وينسب إلى نفسه الفساد الذي سببه بل على العكس إذ أنه يظهر رغبته في عمل الخير من أجل إرضاء الخالق. فهو يفكر بنفسه وليس بالآخرين فهذه له كليبا-مفرد الكليبوت. وفي هذا الموقف يأخذ الإنسان إدراكه الحسي والشخصي للأمور بدلا من أن يفكر آخذا بإعتبار كلية النظام المتماسك في وحدوية لا تتجزاء من منظور الخالق.

يوجد هنالك رغبة واحدة عامة في النظام الذي يدعى أدم الأول والتي يتوجب تصحيحها لتكن إناء لتلقي النور الأعلى بكامله.

((عندما يندم المرء، ماذا تقول الشخينا؟ بالتعبير إنه أخف من رأسي.  فإن عدم نسب الشعور بالحزن للإبتعاد عن الخالق لذات الشخص فإنه يعفى من الوقوع في فخ الرغبة في التحصيل للذات -الرغبة الأنانية والتي تعتبر إبتعادا عن القداسة)).

إن الوسيلة الأفضل ليعلم الإنسان أنه سائر في الطريق الصحيح وليتمكن من أن يتفحص تقدمه هو في كون أحاسيسه ومفهومه في كيفية تعامل الخالق معه، ومن شعوره نحو الخالق الذي يفيض من خلال الآخرين.هذا هو الحل الوحيد لإرتباط الإنسان بالخالق وفي تفحص الإنسان لنفسه إذا ما كان يسير على الطريق الصحيح نحو الخالق وليس نحو هدف من صنعة خياله أو شيء آخر.

))إن الأمر نفسه أيضا عندما يشعر الشخص بالتقرب من القداسة، عندما يشعر بالبهجة والفرح حين يجد نعمة من قبل الخالق)).  يشعر الإنسان بالفرح والسعادة بسبب شعوره أنه قريب من الخالق وهذا شعور ليس له أن يقرر أو يتحكم به، ولكن ما هو هذا الشعور بالفرح ومن أين ينشأ أمن الإرادة في التقبل أم من الإرادة في العطاء؟

((عندها أيضا يتوجب على الشخص أن يقول أن سبب بهجته هو أنه يوجد بهجة في الأعالي أي في الشخينا المقدسة في تمكنها من جلب أحد أعضائها بالقرب منها، وبأنها لم تضطر بأن ترسله بعيدا عنها،فإن الشخص يستمد البهجة من مكافئته لإرضاء الشخينا.وهذا وتوافقا لما ورد أنه عندما يكون هناك فرح جزئي فهو ليس إلا جزء من الفرح الكلي.تماشيا مع هذا يفقد الشخص فرديته ويتجنب الوقوع في فخ القوة الأخرى والتي هي الإرادة أو الرغبة في الأخذ لأجل مصلحته الأنانية)).

يجب على الإنسان أن يكون فطنا في تميز ما إذا كان سعيدا لسبب أنه قادر أن يفصل نفسه عن النتيجة في إناءه الروحي، أهو سعيد حقا في إعطاء الخالق الفرصة في أن يكتسي في داخل نفس أدم طبقا لقوانين عمل النظام في تصحيح النفس وهذا هو سبب سعادته.إذا كان الإنسان يرى نفسه على أنه عامل في هذا النظام الشامل وهو الذي يدير أموره لإعطاء الخالق الفرصة في إيصال النفس إلى درجة التوازن معه ليستطيع إغداق الخير عليها، فهذا هو الفرح الحقيقي والمقدس وإذا كان الأمر على خلاف ذلك فكل هذا إذا  كان لإشباع حب الذات وأنانية الإنسان. من الممكن أحيانا أن يفتكر الإنسان في نفسه قائلا:”أنا الذي قمت بهذا العمل وأنا الذي جعلت الخالق سعيدا”. هذا الفكر أيضا يتوجب فحصه إذا ما كان يسبب إعتزاز الكبرياء والتفاخر والغرور لديه مما يسبب فسادا أعظم من قبل. فكلما ساهم في خدمة الآخرين بمعنى أن يأخذ فرح أو هموم الآخرين عليه بدلا من التي له يستطيع بهذا أن يتجنب الوقوع في شباك الأنانية وحب الذات.

وبقوله : (( أنه يوجد بهجة في الأعالي أي في الشخينا المقدسة في تمكنها من جلب أحد أعضائها بالقرب منها)). يقصد أن الوجود الإلهي لم يفصله عن الإحساس بوحدوية النظام. فالإنسان الذي لا يشعر بهذا النظام في نفسه أي بأجزاء النفس المبعثرة وضرورة تضميض هذا الشرخ فهو إذا لا يفتكر بالخالق ولا بالآخرين ولا بالنظامش إذ أنه مستقل عنه. يجب أن تكون كل حساباته وإهتمامه ليس من أجل نفسه بل من أجل الآخرين ليستطيع الخالق جمع كافة أجزاء هذه النفس المتبعثرة كالأم التي تعمل كل شيء من أجل رضيعها فهي لا تعير نفسها أي إنتباه ولا لإحتياجاتها الشخصية إذ أن كل همها منصب على الإعتناء بالطفل وتلبية حاجاته، هكذا يجب أن يتصرف الإنسان تجاه الآخرين وإن كان في البداية يشعر باستقلاليته التامة عن الآخرين لكن سريعا ما يكتشف أنه جزء لا يتجزأ منهم ومن خلال هذا السلوك سيجد نفسه على المستوى “أحب قريبك كنفسك”. فعندما يكون فرح في الشخينا فالفرح هو نتيجة الإرتباط بين أجزاء النفس لتشكل إناء روحيا للنور.

(( وبالرغم من أن الرغبة في الأخذ للذات -الرغبة الأنانية ضرورية بما أنها تشكل ماهية الإنسان، وبما أن كل ما هو موجود في الشخص منفصل عن الأنا فيه أو عن الرغبة في الأخذ للذات لا ينتمي للمخلوق بل أنها تعزا للخالق، لكن يتوجب تصحيح الرغبة الأنانية لتصبح رغبة في العطاء المطلق)).

أي عمل يقوم به الإنسان يكون نابعا من طبيعته أي من الأنا أو من الإرادة في التقبل التي ولد بها. الإنسان ليس بحاجة لتغيير طبيعته في أن يتحول إلى ملاك عندما يأخذ بدراسة علم الكابالا، لا بل على العكس فهو بحاجة إلى كامل قواه الطبيعية والتي ولد بها لكي يستطيع إحراز العالم الروحي. فإن الملذات التي يشعر بها يدركها في الأنا عنده والتي هي إناءه الذي فيه يستطيع التميز بين الخير والشر وتحديد نوعية العمل وكيفية تطبيقه، فالأنا هي الأداة المهمة التي تساعد الإنسان في عمله في تصحيح نفسه.

(( وبذلك نقول أن البهجة والفرح التي تحصل عليهماالإرادة في الأخذلا بد أن تكون ضمن إطار النية والقصد بأن هنالك رضا وسعادة في الأعالي حينما يشعر الخلق بالسرور، لأن هذا هو هدف الخليقةلمنفعة خليقته.وهذا ما يدعى فرح الشخينا في الأعلى)).

كما أصبح جليا لنا الآن أن الإنسان يرغب في الشعور بالمسرات والملذات في نفسه إذا كان هذا يجلب السرور والبهجة للخالق.بقدر تصحيح الأنا فيه يستطيع استخدام هذا الجزء المصحح للإستمتاع بكل ما أعطاه إياه الخالق. إذا تصبح الأنا الأداة التي من خلالها يمنح الخالق السرور والرضا. فالخالق هو صاحب قوى العطاء وحاجته الوحيدة هي في أن يعطيه الإنسان الفرصة ليغدق عليه وهذا ما يجلب البهجة والسرور له لأن العطاء هو طبيعته. ليكن هذا سبب سعادة لنا، بأن تتواجد أمامنا الفرصة للإنعام على الخالق في كل عظمته.

(( لهذا السبب، على الإنسان أن يلتمس النصيحة عن كيفية جلب الرضا للشخينا. وبالطبع عندما يحصل هو على السرور كذلك الشعور بالرضا سيملاء الشخينا. لذلك يتوق دائما لأن يكون في قصر الملك وأن تكون لديه القدرة على التمتع بكنوز الملك. وهذا بالتأكيد سيؤدي برضا الشخينا في الأعالي. وبناء على ذلك لا بد أن يكون كل سعي الإنسان ورغبته فقط من أجل اسم الخالق)).

فعندما يصحح الإنسان سلوكه ويجد الإرتباط الصحيح بالخالق،يجب أن يسعى وراء النصيحة الصحيحة والتي تساعده على التخلص من كل الأفكار والحسابات وتقيم الأشياء من وجهة نظره ليفصلها عن نفسه ويتخذ منظورا آخرا للأمور تبعا لقوانين النظام الشامل مستبدلا أفكاره الأنانية ليحولها لمنفعة الآخرين وليس لنفسه ليسمح للخالق في أن يغدق خيره على أصحابه ويفرح لفرحهم. هذا هو هدفه أي في أن يكون كالوصلة بين أنبوبين ليسمح للواحد في أن يملء الآخر.

عبارة (( قصر الملك))  ليس لها المفهوم الذي ندركه هنا في عالمنا المادي. قصر الملك هو إناء العطاء أي السفيرا بينا والتي تسيطر على الإرادة في التقبل، وعندما يصل الإنسان في إحرازه للسفيرا بينا عندها يستطيع الوصول إلى السفيرا كيتير والتي هي قصر الملك. في عبارة (( التمتع بكنوز الملك)) إن كلمة كنوز تعني النور في كل مراحله وعلى كامل درجاته والذي يؤثر على جميع الرغبات التي خلقها الخالق من نقطة العدم أو اللاشيء إلى أن يأتي بها إلى درجة “ليس هنالك سواه”.

إلى جانب الإرادة في التقبل التي عملها الخالق من العدم يوجد هناك شوق إضافي إذا صح التعبير والذي أصبح قوة إضافية يحصل الإنسان عليها.ففي الدروس السابقة درسنا عن عالم الأبدية وعن السفيرا ملخوت والتي ولدت من نمو وتطور المراحل الأربع للنور المباشر. فما هو الفرق بين البهينا دالت “المرحلة الرابعة” وبين البهينا أليف “المرحلة الأولى”؟

البهينا أليف هي الرغبة التي خلقها الخالق أما البهينا دالت فهي الشوق الذي وجد كقوة إضافية. هذه القوة الإضافية والتي اكتشفتها ملخوت حين أدركت بأن هناك خالق والذي هو مصدر المتع والملذات. فالرغبة تشعر بالملذة، وهذا الشوق أو التوقان هو رغبة إضافية.

يقول صاحب السلم في هذا أن شوق الإنسان كله والقوة الإضافية التي إكتشفها من خلال إكتشافه لوجود الخالق على أنه المصدر الوحيد لكل شيء أي “ليس هنالك سواه” إذا كل ما يجده يجب أن يكون من أجل إرضاء الخالق أي استخدامه في أسلوب العطاء.

تعليق واحد

  1. لا إله الا الله
    إنه القانون الأعظم الكون.
    وما من إله إلا الله
    ولهذا يجب هذه الحقيقة والعمل على تحقيقها
    فاعلم انه لا اله الا الله.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*