Moses ben Maimon

العالم والطبيب موسى بن ميمون

وُلد موسى بن ميمون  في  مدينة قرطبة ببلاد الأندلس في القرن الثاني عشر الميلادي، ومن هناك انتقلت عائلته سنة ١١٥٩ إلى مدينة فاس في المغرب العربي حيث درس هناك في  جامعة القرويين وبعدها إنتقل إلى الأراضي المقدسة ولكن في نهاية المطاف إستقر مع عائلته في مصر والتي عاش فيها حتى وفاته. لقد عمل موسى بن ميمون في مصر كنقيباً للطائفة اليهودية، وطبيباً  لصلاح الدين الأيوبي، ولعائلته إذ كان أوحد مَنْ في زمانه في صناعة  الطب ومتفنن في العلوم وله معرفة جيدة بعلم الفلسفة أيضاً.  وإلى الآن ما يزال يوجد معبد قائم بإسمه في منطقة العباسية في القاهرة يخليداً لبراعته وحكمته وسعة علمه.

ولد أعظم عظماء اليهود في العصور الوسطى بمدينة قرطبة لأب من أكابر العلماء الممتازين هو الطبيب والقاضي ميمون بن يوسف. وسمي الغلام موسى، وكان من الأقوال المأثورة بين اليهود قولهم: “لم يظهر رجل كموسى من أيام موسى إلى موسى”. وقد عُرف بين الناس باسم موسى بن ميمون أو ببساطة الميموني.

أصبح إبن ميمون من أحبار اليهود ذوالصيت المعروف الشائع. وقد قيل عنه عندما كان غلاماً بأنه أظهر عدم الميل للتعليم لذلك أرسله أباه ليعيش مع معلمه السابق الحاخام يوسف ابن مقاشن. برع موسى في علم آداب الدين وعلم الطب، وعلوم الرياضيات وعلم الفلسفة. وكان من أعلم أهل زمانه ولم يكن يضارعه في علمه إلا ابن رشد. وبعد حروب البربر وإستيلائهم على مدينة قرطبة  في عام ١١٤٨ وهدمهم الكنائس والمعابد اليهودية، أخذوا يخيرون المسيحيين واليهود بين الإسلام أوالنفي. فغادر إبن ميمون إسبانيا في عام ١١٥٩ مع زوجته وأبنائه وأقاموا في مدينة فاس في المغرب العربي لمدة حوالي سبع سنين مُدعين أنهم مسلمون لأن لم يكن يسمح للمسيحيين واليهود لهم بالإقامة هناك أيضاً. وبعدها سافر إلى الأراضي المقدسة   ومن ثم إنتقل منها إلى الإسكندرية عام ١١٦٥ وإلى مصر القديمة حيث عاش حتى وفاته. وذاعت شهرته بين المصريين أنه من أعظم أطباء زمانه فإختير طبيباً خاصاً لنور الدين أكبر أبناء صلاح الدين، وللقاضي البيساني وزير صلاح الدين. واستخدم ابن ميمون نفوذه في بلاط السلطان لحماية يهود مصر، ولما فتح صلاح الدين فلسطين أقنعه ابن ميمون بأن يسمح لليهود بالإقامة فيها من جديد. وفي عام ١١٧٧ عُيّن ابن ميمون زعيماً لليهود في القاهرة ولكن في عام ١١٨٧ وجه أحد فقهاء الدين التهمة لإبن ميمون بأنه مرتد عن الإسلام وطالب بأن توقع عليه عقوبة القتل التي هي جزاء المرتدين. ولكن الوزير أنقذه  إذ قال إن الرجل الذي يُرغم على اعتناق الإسلام لا يمكن أن يعد مسلماً بحق.

أعمال إبن ميمون

لقد ألف إبن ميمون العديد من الكتب والمجلدات. من هذه المؤلفات عشرة كتب في الطب باللغة العربية نقل فيها آراء أبقراط وجالينوس وديسقوريدس والرازي وابن سينا. وقد إختصر في كتاب الأمثال الطبيّة كتاب جالينوس إلى ألف وخمسمائة عبارة قصيرة تشمل كل فرع من فروع الطب، وترجم هذا الكتاب إلى اللغتين العبرية واللاتينية، وكثيراً ما كان ينقل عنه في أوربا ويُصدر ما يُنقل بتلك العبارة: “قال الحبر موسى”. وكتب مقالة في تدبير الصحة للملك علي بن الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب؛ وكتب مقالة أخرى يشمل الأمور الصحية بتفصيل لسلطان حماة الملك تقي الدين أبي سعيد عمر ابن نور الدين تحدث فيها عن العلة والداء وعن الأدوية المقوية وما إلى هذا من أمور الطب والصحة. وقد أضاف إبن ميمون إلى هذه الرسائل عدة مقالات عن السموم والتحرز من الأدوية القتّالة ، ومقالة في الربو، وأخرى في البواسير، ورابعة في السوداء- ومقالة جامعة في شرح العقار. لم يكن ابن ميمون يصف العقاقير إذ أنه كان يركز مشجعاً الإعتماد على نوعية الغذاء والطعام.

من أبرز أعمال إبن ميمون هو كتابة شرح المشنا وقد بدأ في عمله هذا عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره. وظل يكدح في هذا العمل أكثر من عشر سنين بالإضافة إلى مشاغله التجارية والطبية. ولما نشر هذا الشرح في القاهرة باسم كتاب السراج رُفع ابن ميمون من فوره وكان لا يزال شاباً  لم يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره إلى منزلة رفيعة بين علماء الدين والمعرفة   وذلك بفضل ما يمتاز به من الوضوح وغزارة المادة  وصدق الأحكام. وبعد عشرين سنة من ذلك الوقت نشر أعظم كتبه كلها باللغة العبرية-العربية الجديدة وسماه مشنا التوراة، وقد رتب فيه نظام منطقي، وإيجاز واضح لكل ما حوته أسفار سيدنا موسى الخمسة من القوانين. جميع قوانين المشنا والڨمارا ما عدا النزر اليسير. ويقول في مقدمة الكتاب: “لقد سميت هذا الكتاب مشنا التوراة (تكرار الأسفار) لأن من يقرأ أسفار موسى الخمسة لأول مرة، ثم يقرأ هذه المجموعة، يعرف الشريعة الشفوية جميعها من غير أن يحتاج في ذلك إلى الرجوع إلى أي كتاب آخر، وكان هو من بين مفكري العصور الوسطى القلائل الذين لم يؤمنوا بالتنجيم. وقد قسم الأوامر الواردة في الشريعة والبالغ عددها ٦١٣  إلى أربعة عشر قسماً ووضع لكل واحد منها عنواناً وخصص كل عنوان بكتاب بمفرده. ولم يكتف بشرح كل قانون على حدى بل أخذ على نفسه بيان ضرورته المنطقية و التاريخية. ولم يترجم إلى الإنجليزية من هذه الكتب الأربعة عشر إلا كتاب واحد .

ويتضح من هذا الكتاب ومن كتابه الآخر الذي صدر بعده وهو: دلالة الحائرين، أن ابن ميمون لم يكن من الذين يجهرون بالإلحاد كما لفق عنه بل إنه كان عالم  وقد حاول جهده شرح قوانين بنية الكون بناءً على نظريات العلم المثبة ببراهين علمية وشرح قوانين الطبيعية ودورالإنسان في العالم وتفاعله مع البيئة التي يتواجد فيها. قد غضب أحبار اليهود من إبن ميمون على كتابه مشنا التوراة فقلما كان في وسع أحد منهم أن يعفو عما كان يرمي إليه من إحلال كتابه محل كتاب التلمود مع ما في هذا من جرأة كبيرة، وقد استاء كثيرون من اليهود مما عزى إلى ابن ميمون القول بأن من يدرس الشريعة هو أعلى مقاماً ممن يعمل بها. ولكن الكتاب وبالرغم من هذا كله قد جعل صاحبه أعظم اليهود جميعاً في عصره وبالنتيجة إرتضاه جميع يهود المشرق مستشاراً لهم وكانوا يبعثون إليه بمسائلهم ومشاكلهم سائلين حكمته. ولكن ابن ميمون لم يُغرّ بهذه الشهرة بل شرع من فوره بتأليف كتابه التالي. فبعد أن فسرالشريعة وأوضحها لليهود المؤمنين، وجه جهوده للعمل على أن يعيد هؤلاء ممن أغرتهم الفلسفة وأغواهم  الملحدين من القرائين في مصر وفلسطين وشمال أفريقية،  وبعد عشر سنين من الكد أصدر أشهر جميع كتبه كتاب – دلالة الحائرين – في عام ١١٩٠ وقد كتبه باللغة العربية بحروف عبرية ومن ثم تُرجم إلى اللغة العبرية ومن بعد ترجم كذلك إلى اللاتينية.  وكان لهذا الكتاب شهرة واسعة وخاصة في القرن الثالث عشر.

وقد أوضح إبن ميمون في مقدمة الكتاب أن غرضه الأول من شرح بعض الألفاظ الواردة في كتب الأسفار أن الكثير من الكلمات ذات معان متعددة حرفية ومجازية ورمزية فمنها ما إذا أخذ بمعناه الحرفي بقي غامضاً  ومتعارضاً مع المعاني الواقعة في مختلف أمكان النصوص إذ أنه وجميع العلماء اللذين قبله كانوا يحترمون العقل والفكر مقيمينه على أنه أعظم المواهب التي للإنسان. فلا يجدر بأحد أن يُخيّر أي إنسان بين الدين بلا عقل وبين العقل بلا دين. فإذا كان العقل قد خلقه الرب في الإنسان فإنه من غير الممكن أن يتعارض مع الوحي الإلهي، فإذا ما حدث هذا التعارض إنما بسبب أننا نأخذ الكلمات بمعناها الحرفي. ثم ينتقل ابن ميمون إلى البحث في العالم الروحي ودرجاته والقوات الإلهية في ترتيبها وجوهرها وبنية الكون وقوانينه.

لقد قدرالعالم بأكمله غنى المعرفة التي إمتاز بها العالِم موسى بن ميمون فقد أخذ الفلاسفة يدرسون كتابه دلالة الحائرين بإشراف معلمين من اليهود. وقد ترجم الكتاب أيضاً إلى اللغة اللاتينية لهدف تدريسه في الجامعات في مختلف أنحاء العالم.

كتاب – دلالة الحائرين –  للعالم والطبيب موسى بن ميمون كتاب أصبح نادر وجوده. قد أحببنا توفيره لطلابنا وإخوتنا من باب حب المعرفة متمنين في أن يكون مصدر غنياً لكل طالبي العلم.

مع خالص إحترامنا

 

دلالة الحائرين

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*