لم يعد سراً أن الإنسانية تتواجد في خضم أزمة عميقة؛ فالعديد من الناس يشعرون بإنعدام الراحة والإحباط، والخلاء يغمر حياتهم. فالأزمة تجتاح حياتنا في الكثير من جوانب الحياة، فالكثير يعاني من الأزمة في الوحدة العائلية وفي تربية الأطفال وفي الإدمان على المخدرات، والخوف الذي ينتاب العالم أجمعه من وقوع حرب نووية ومن التغيير البيئي وكيف سينعكس على البشر. هذه بعض المشاكل التي تخيم على حياتنا وتحول بيننا وبين العيش بساعدة. يبدو أننا فقدنا المقدرة على السيطرة على حياتنا وعلى كل ما يدور في العالم.
كما هو معروف، التشخيص السليم للوضع القائم هو نصف الطريق للشفا، الكامل لذلك ولكي نجد حلاً لمشاكلنا يجب علينا أن ندرك أسبابها، والأساس الصلب الذي من الأفضل أن نأخذه بعين الإعتبار هو معرفة طبيعة الإنسان وطبيعة العالم. إذا حكمنا عقلنا بإدراك طبيعتنا وفي معرفة القوانين التي بنيى عليها الوجود والتي يخضع الإنسان لها بما أنه جزء أساسي من هذا الوجود سنعي خطئنا والذي يتوجب علينا عمله لكي نخرج من الوضع الذي نحن فيه.
تُبين لنا دراسة الطبيعة بأن درجات بنيتها والمؤلفة من الجماد والنبات والحي تديرها الطبيعة نفسها من خلال سمة الغريزة في الكائنات الحية. كل هذه الدرجات تحكمها قوانين الطبيعة ولا يوجد فيها الجيد أو السيئ، ولكن ببساطة تنسجم عناصرها في التعامل معاً بعضها مع البعض وبحسب القوانين التي انطبعت بها. وفي المقابل لو أمعنا النظر في طبيعة الإنسان نجد أنه الكائن الحي الوحيد الذي يختلف تماماً عن جميع الكائنات الحية وهو الوحيد الذي يعيش خارجاً عن قوانين الطبيعة. وبخلاف المخلوقات الحية الأخرى الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يستطيع الإستمتاع باستغلال الغير من خلال أنانيته. بنية الطبيعة بكاملها وكل شيء يوجد في الكون من حولنا يعمل بإنسجام وبحسب مبدأ العطاء إلا الأنسان؛ فالأنانية وحب الذات فيه هي السبب الوحيد الذي يسبب الخلل والإضطراب في التوازن بين عناصر الطبيعة وبالتالي نعاني جميعنا من الألم وعدم العيش بسلام وسعادة بسبب عدم الإنسجام هذا.
الرغبة في التمتع بإستغلال الآخرين المتواجدة فينا تطورت وبالتدريج على مدار العصور. في بداية البشرية تمثلت هذه الرغبة من خلال رغبات الوجود البسيطة كالرغبة في الطعام والجنس وبناء الأسرة. ولكن بعد ذلك تطورت هذه الرغبات لتتولد الرغبة للغنى وتحصيل المناصب الرفيعة والسلطة والمعرفة. وقد أدى تطور الرغبات تلك إلى تطورالمجتمع الإنساني وإلى نشوء درجة أعلى من التطور في مستوى التعليم والثقافة والتكنولوجيا والأعمال مما إنعكس على كافة درجات وطبقات المجتمع إذ ساد الاعتقاد بأن التطور والنمو الإقتصادي يوفران لنا الرضى والسعادة والإكتفاء، أما الآن في يومنا هذا فقد بدأنا نرى بأن هذا التطور أخذ يقترب في الوصول بنا إلى نهاية مسدودة.
الوضع المتأزم الذي نحن فيه اليوم هو نتيجة رغبتنا الأنانية في السيطرة على كل ما من حولنا. كل إنسان على وجه البسيطة يمر في هذه المرحلة أو هذا الشعور، فإن الإحساس بالرغبة فينا يظهر وينمو، ويسعى الشخص أن يصل إلى مبتغاه بأي أسلوب ومهما كان الثمن ليشعر بالمتعة، وفي اللحظة التي يصل إلى مبتغاه يتلاشى الشعور بالمتعة بعد فترة وجيزة. هكذا هو الأمر دائماً، فكلما حصل الإنسان على ما يريده يصاحبه الشعور بالمتعة إلى وقت ما ومن ثم تظهر رغبة أخرى ويعود للبحث عن مبتغى آخر وطريقة لملء هذه الرغبة لهدف الشعور بالمتعة من ثانية ولكن على درجة أعمق. وهكذا تطور البشر وتقدمت الإنسانية على مدى الزمان وبالتالي تعمقت الرغبة عند الإنسان. وفي الوقت الحاضر وبعد أن وصلت الرغبة عند الإنسان إلى مستوى الخبرة في الوان إستغلال الآخرين بكل فن تحت أشعة الشمس وصلنا إلى الحقيقة بواقعها المرير في عدم معرفتنا لكيفية الوصول إلى السعادة الدائمة والثابتة لإيجاد الشعور بالإكتفاء. تكابر الأنانية في الإنسان وتجليها في الجشع والطمع والذي يؤدي إلى كل ما تراه يأخذ مجراه في واقعنا اليوم هو السبب الأساسي للأزمة التي يمر العالم بها اليوم ومنبع المعضلة التي لا يجد العالم لها حلاً.
بالإضافة إلى ذلك نجد أنه على مر الأجيال أخذ سعي الإنسان الأناني للحصول على المتعة الشخصية على حساب الآخرين بالتعاظم، كما نرى في يومنا هذا كيف يحاول الكثير بناء نجاحهم على حساب ومصلحة الآخرين وبطرق لم نعهدها من قبل. إذ قد بلغت الكراهية ذروتها بين أبناء البشر إلى حد مخيف وهذا ما يعطينا الشعور بعدم الإستقرار في حياتنا.
عند النظر في أركان وبنية الطبيعة من حولنا نرى بأن جميع الكائنات فيها تتواجد معاً بإنسجام وتوافق متناغم تحت تأثير عمل قوانين الطبيعة والتي يتمكن كل كائن وعلى أي درجة من التواجد في مكانه الخاص به وليقوم بدوره المحدد في نظام الكون والذي لا يستطيع أي كائن آخر التعويض عنه في حال فقدانه. نظام الكون هذا متناغم ومنسجم على عكس الأنا في الإنسان إذ أنه قائم على مبدأ العطاء المتبادل وعلى محبة الغير. لتوضيح ما أوردناه نجد أن صورة عمل الخلايا في الجسد البشري تعطي مثالاً واقعياً وحياً لعمل نظام الطبيعة. فإن نظرنا في طبيعة وطريقة عمل النظام الخلايا في جسد الإنسان نجد بأن كل خلية تعمل حسب مبدأ العطاء المتبادل أي أن كل خلية تأخذ ما تحتاجه لتتمكن من القيام بعملها بقوة ونشاط وتقوم بدوها في إبقاء الجسد على قيد الحياة في طريقة تعاملها مع الخلايا الأخرى. فلإبقاء الجسد حياً يتوجب على الخلايا التعامل معاً على مبدأ التعاون المتبادل أي من المتوجب على كل خلية أن تعطي ما بوسعها لمساعدة الخلايا الأخرى للقيام بعملهم، والكل يعمل تجاه الهدف الواحد في إبقاء الجسد على قيد الحياة. وفي حال قررت بعض الخلايا الخروج عن النظام والعمل بخلاف مبدأ التعاون المتبادل نرى بأن هذه الخلايا تتحول إلى خلايا سرطانية لتجلب الموت للجسد بكامله. على وجه المقارنة نحن نرى بأن البشرية بأجمعها جسد واحد كل منا له مكانه في هذا العالم وله دوره الخاص في نظام الطبيعة الخاضع للقوانين التي بُنيى عليها الكون.
إن جميع الظواهر السلبية التي تظهر في العالم وفى حياتنا ناتجة عن عدم مراعاة قوانين الطبيعة. الكثيرين منا لا يعوا قوانين الطبيعة ومدى تأثيرها علينا ولكن نكرانها لا يؤدي بنا إلا إلى الإنقراض. فالكثير منا لا يفهم قانون الجاذبية وكيفية تأثيره على الوجود البشري وعلى جعل الحياة ممكنة على وجه البسيطة، ولكن لا ترى من هؤلاء الذين لا يدركون كيفية عمل قانون الجاذبية يحاولون القفز من مبنى عال لفحص وبرهنة تأثيره وواقعيته. فمنذ تواجد بني أدم في هذا العالم نرى من خلال تاريخ الأجيال كيف أن البشرية تتخبط محاولة أن تجد السعادة والشعور بالإكتفاء كالأعمى في طريق مليء بالحفر. ألم يحين الوقت أن نتيقظ من السبات الذي يعمي صوابنا عن معرفة الحقيقة ونواجه الأزمة التي يمر بها العالم بأكمله بحكمة في تحليل الأمور علمياً لنصل إلى النهاية التي نحبذها أم سنبقى نسلك في طريق الحياة هذه من دون دليل حائرين نواجه عذاب القدر الذي نصنعه بأيدينا؟
الأنانية وحب الذات في الإنسان الذي يود أن يسيطر على العالم بأجمعه مُحتكراً كل ما بإمكانه لنفسه، الأنا التي تدر الكراهية بين أبناء البشر مفرقة إياهم وكأنهم أعداء بالرغم من أننا جميعنا أجزاء من نفس أدم الواحدة، حب الذات الذي يقتل ويسلب نور الحياة من الإنسان ليجعله يتخبط كالأعمى في الحياة جاهلاً ما يقع به، الأنانية هي سبب العذاب الحقيقي وسبب الألم الذي يتمخض به المجتمع الإنساني اليوم. وها نحن نشهد الحضارة التي توصلنا إليها تقف عاجزةً عن مساعدة الإنسان في الخروج من هذه الأزمة، فنحن نرى كيف أن البعض يحاول إستغلال الوضع المتأزم لإشباع الأنانية فيهم مستخدمين حتى الدين في محاولة السيطرة على العالم حتى لو كان الثمن خراب العالم بأكمله.
فلما المعاناة والعذاب إذا كان الحل في أيدينا؟ لما الخراب إذا كان الحل متوفر في طاقتنا؟ هل سندع الكراهية تدمرنا أو معاً نعمل على تغير مجرى الأحداث؟
التغيير ليس بمستحيل. لقد خلق الخالق ” الإرادة في التقبل” بسمات معاكسة تماماً لسماته، فهو الإرادة في العطاء ونحن الإرادة في التقبل، ولكن في تكابر وتعاظم الأنا في حب الذات والكراهية بين أبناء البشر كما في يومنا هذا إزداد إبتعادنا عن الخالق وعن بعضنا البعض، والحل يكمن في تصحيح النية في الأنا في العلاقة بين أفراد البشر، فالأنانية والكراهية النابعة من حب الذات هي سبب كل المعاناة والألم الذي نعاني منه في هذا العالم وبتصحيح العلاقات بيننا وتحويل الكراهية إلى محبة الغير نستطيع معاً التواجد بسلام في هذا العالم، فالكرة الأرضية تتسع لضعفي عدد السكان عليها اليوم، فالمشكلة ليست في المكان أو في المصادر الغذائية بل هي مشكلة الترابط بين البشر، وإذا لم نعمل على تصحيح هذا العلاقة والعيش بإنسجام معاً فالطبيعة من حولنا ستعمل على إجبارنا في الخضوع لقوانينها. ففي نظام الكون كل شيء يعمل بإنتظام وحسب القوانين الفيزيائية والعلمية التي بُني عليها الكون، كل كائن يوجد في توازن مع جميع عناصر الطبيعة ما عدا الإنسان الوحيد الخارج عن نظامها ويحاول السيطرة عليها، وبتمرده هذا سيجبر الطبيعة على تقيئه منها لتوازن نفسها وذلك بجلب الضربات عليه من كوارث طبيعية إلى حروب عالمية بأسلحة فتاكة إلى أن يصل الإنسان إلى الوعي بتعديه لحرمة الطبيعة ويسعى في إصلاح علاقاته مع الآخرين بناءً على مبدأ المحبة والتعاون المتبادل بين جميع أبناء البشر وإلا نحن نواجه الفناء إلى أن يبقى حفنة صغيرة من البشر ليقوموا بتصحيح هذا الخلل.
فما هو العمل إذاً ؟ هل سننتظر القوانين التي لا رحمة فيها أن تخضعنا بطريقتها في جلب ضربات القدر علينا الواحدة تلوى الأخرى أم أن نتعظ بما يقوله لنا الحكماء. ها نحن نرى وضع العالم اليوم وما توصل إليه من معاناة، فالحروب تمتد من بلد إلى آخر وكل بلد يحاول أن يجد مخرجاً له من هذه الأزمة بمفرده، فكيف يكون هذا ممكناً في عصرنا هذا، فالجميع مرتبطون معاً والعالم الآن وكأنه بلد واحد. متى سيرى الإنسان أنه جزء صغير من نفس أدم المبعثرة ولن يستطيع العيش بسلام وهناء بمفرده، فهل تستطيع خلية واحدة أو حتى عضو واحد من أعضاء جسد الإنسان العيش مستقلاً عن الجسد هكذا الإنسانية اليوم فهي كجسد الإنسان الواحد. أتمنى أن نعي حقيقة واقعنا ونعمل معاً كي نحيا بسلام وبمحبة.
العمل معا هو الإطار الوحيد الذي يمكن ان يخرجنا من النفق المظلم الذي نعيش فيه و للوصول الى فهم طبيعة الخير فينا.
المهم ان ندرك ان بداية الخيط هو فهم اننا لا نعيش وحدنا و ان الانانية هو طريقنا الاسرع للدمار.
إلاعلام اليوم بكل اشكاله هو الصورة الاكثر قبحا للانانية.
فالوصول الى منابع الحكمة و الحقيقة هو بداية الطريق و لكن الوصول الى قنوات ايصالها للاخرين هو الذي سيخلق فينا التعاون.
من اين نبداء