www.hikmatelzohar.com.62

التعاون الإجتماعي

منذ بداية عام  ٢٠١٢ أخذ العالم في مواجهة العديد من التحديات على كافة أصعدة الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية. وأخذ كل مجتمع يشعر بضغوط الأزمة من الناحية الإقتصادية بشكل ملحوظ إذ أن هذه الأزمة دون الأزمات التي مرت بها البشرية أزمة عالمية وعلى نطاق واسع وتشمل العالم بأكمله. فإن أفضل الخبراء والعلماء في العالم عاجزون عن تحليل الوضع الحالي وإيجاد حل مناسب لما تعاني منه البشرية اليوم  وبالرغم من الآلاف والمليارات التي تُبذل هدراً نحو محاولة إنقاذ الإقتصاد أو على الأقل إنعاشه كلها ما تزال تبؤ بالفشل وعاجزة عن أن تقدم أي نوع من الحلول ولو حتى القصيرة المدى. فإننا نرى بأن أوروبا في موقف صعب وحرج جداً إذ أنَّ اليورو على وشك الإنهيار، والإقتصاد الأمريكي يترنح في عدم إستقرار ويقين، وإننا نرى أيضاً نسبة البطالة في تصاعد مستمر. أكثر

ولكن وبالرغم من أننا نجد أنه من الصعب جداً إستعاب الموقف الحالي للأحداث التي تجري على الصعيد العالمي نجد ولأول مرة في تاريخ البشرية  أن العالم يتمحور حول نقطة واحدة مشتركة وهي حقيقة الواقع الحالي في أننا جميعاً  مرتبطين معاً إن كان بشكل مباشر أو غير مباشر فالحدث الذي يقع في دولة ما تتأثر به البلدان الأخرى.

على الرغم من أن الإقتصاد ما زال  مستقراً في بعض البلدان المتفرقة مقارنة ببعض الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة إذ أن نسبة إرتفاع البطالة ما زال نسبياً على درجة منخفضة لكننا نرى غيوم هذه العاصفة بدأت تلوح من بعيد مقتربة نحو الجميع أكثر فأكثر. وبما أننا نعيش اليوم في عالم مترابط على كل مستويات المعيشة نجد أنها  ليست إلا مسألة وقت قبل أن نشعر نحن هنا بتأثير الصدمات لما يحصل في العالم من حولنا وهذه بعض العلامات التي تشير إلى هذا:

* واحد من كل ثلاثة  أطفال يعيشون في فقر.

* الفارق بين طبقات المجتمع والمستوى المعيشي في تباعد متزايد لدرجة أن الطبقة الوسطى أخذت تتلاشي من المجتمع.

* أسعار السكن الباهظة جعلت إمكانية إيجاد سكن بسعر معقول حلم بعيد المنال.

* بالرغم من أن الناس يعملون بجد ولكن ما يزالوا غير قادرين على توفير الحاجات الضرورية  للمعيشة.

* النظام الصحي في حالة تدهور.

* العنف الذي يتجاوز حده في المدارس.

* الإستهتار بمسألة الأمن الشخصي للإنسان.

* تسرب الأفكار المتطرفة إلى المجتمع والتي تجلب معها الكراهية بين أفراده.

* تبدو أن الأمور السياسية في عالق لا مخرج منه ولا يوجد أي حل لها في الأفق.

هل هذه هي معالم البلد الذي تحلم في العيش فيه ؟ طبعاً لا.  فلا عجب من أن الأغلبية يشعرون بأن الصورة المثالية للعيش هنا أصبحت تتسرب من يدنا إذ أصبح هذا ظاهراً في الرغبة عند البعض في الهجرة للبحث عن مكان آخر للعيش.

من الطبع أننا واجهنا مشاكل متعددة في غضون الستون سنة الماضية ولكن كان الحل دائماً في حوزتنا وأما الآن فالوضع مختلف إذ أننا قد فقدنا الوحدوية التي كانت تجمعنا  معاً للتصدي والوقوف أمام هذا الهواجس التي تسود كل بلد في يومنا هذا. فما هو الحل إذاً وما الذي نستطيع عمله؟

لقد حاولنا بناء مجتمع على المبادئ الإشتراكية وجدنا بأنها غير نافعة، ووجدنا بأن الرأسمالية جلبت معها تفاوتات شاسعة مما ولّد الشعور في الإعتزال بين أفراد المجتمع الواحد فبالرغم من أن الإحصاءات الوطنية تبدو بدرجة ممتازة ولكن الوضع الشخصي لكل منا أصبح عسيراً فكل حكومة، الواحدة تلو الأخرى ، تبؤ بالفشل في محاولتها في تحقيق السلام والأمن لمواطنيها.  فما هو الحل إذاً؟

التغيير الجذري

كل الدلائل تشير إلى أن أساس المشكلة هو في الإنفصام والتفرقة بيننا وفي اللامباة التي يظهرها كل إنسان منا تجاه الآخرين في طريقة تعاملنا معهم. هذا هو جذر المشكلة التي نعاني منها اليوم وإذا قمنا بتركيز جهودنا  لمعالجة هذه الظاهرة  نستطيع التغلب على جميع المشاكل التي تم ذكرها مسبقاً وبناء مجتمع ناجح يسوده الأمن والطمأنينة لجميع اللذين يعيشون فيه وعلى كافة أصعدة الحياة. فإنَّ عدم الثقة والعزلة بين أفراد المجتمع الواحد أدى إلى وجود مجتمع قائم على تعاظم الأنانية عند الفرد على حساب الآخرين من أبناء جنسه وأما اليوم فإن الوضع مختلف ويجب علينا التغيير.

مبادئ التعاون الإجتماعي مبادئ شُكلت لهدف هذا التغيير الجذري ومعالجة جذور المشاكل التي يواجهها أبناء مجتمعناالإنساني اليوم. هذه المبادئ لا تتعامل في محاولات تنفيذ إصلاحات إجتماعية جديدة بل تعمل على توفير حاجات المعيشة الضرورية للمواطن من المأوى الملائم  وتوفير التعليم اللازم لتأهيل الفرد لتكون فرص العمل  أمامه مفتوحة ولتأمين الحقوق الأساسية لكل مواطن.

التعاون الإجتماعي يقوم بتزويد المجتمع بقيم وفعالية الترابط المتماسك بين أفراد المجتمع الواحد كما في العائلة الواحدة وتحقيق النمو الإجتماعي إذ هو الحل الوحيد الذي تكمُن فيه القدرة في إحراز العيش الكريم في مجتمع آمنٍ وبخلاف ذلك سيعمل كل قطاع على إنتظار الفرصة التي تسنح له في إستغلال الآخرين وتكون العاقبة أسوء بكثير مما عليه الوضع الآن.

بعد العمل على ترسيخ المبادئ الأساسية لبنية المجتمع الصحيح وفي مرحلة أكثر تقدماً نعمل على تركيز مجهودنا في العمل على بناء وتنظيم أسلوب تعليم جديد لجميع أبناء المجتمع بكافة الأعمار. فإن مراحل بناء نظام تعليم جديد يهدف إلى زيادة أهمية  المسؤولية المتبادلة بين أفراد المجتمع وبناء القيم العامة الصحيحة فيه. وبهذا الأسلوب نحن نتعهد إعادة بناء روح المجتمع الذي وضِع أساسه على مبدأ أخذ الآخرين بعين الإعتبار مع الرعاية والمساوة في رباط التعاون والمسؤولية المشتركة لكل فرد نحو أبناء مجتمعه.

فقد حان الوقت الآن لوضع جهودنا معاً في إطار واحد لنأتي بمجتمعنا  إلى مستوى تفكير جديد وحياة جديدة. رجال ونساء، اليمينين واليساريين، رجال الدين والعامة، العرب واليهود، الغني والفقير، معاً نستطيع بناء مجتمع إنساني متماسك في قيمِه  ومزدهر يسوده الأمن لنا ولأطفالنا ولنكون مثال المجتمع الصحيح للعالم أجمع.

من هذا المنطلق نحن نتقدم بعروض وإقتراحات في كل ناحية من بنية المجتمع.

الحل لجميع المشاكل الإقتصادية

الكثير ممن يتسألون عن كيفية إيجاد حل للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهنا اليوم من خلال الأزمة التي يعيشها العالم  بناءً على مبدأ المسؤولية المتبادلة بما في ذلك العلاقة بين المجتمع والإقتصاد.

نحن جميعاً نتفق في الراي على أنه من المستحيل إيجاد حل لجميع متطلبات الميزانية العالمية. المشكلة ليست فقط في عدم وجود المقدار الكافي من المال لتوزيعه على جميع الدول بل في إمكانية  كل دولة في إستثمار مواردها الطبيعية من زراعة وصناعة وبترول ومعادن ثمينة لتنمي ايراداتها وإقتصادها وتوزيع خيراتها على مواطنيها لتأمين حاجاتهم المعيشية ولتتمكن في الاستجابة لمتطلبات إضافية في حال تواجد أي أزمة أو حاجة دولية اوعالمية. أما بالنسبة للأزمة الحالية التي يعيشها العالم اليوم وبما أنها أزمة إجتاحت كل دولة بلا إستثناء وشملت جميع مستويات الحياة سيتطلب الأمر المزيد من الزمن للوصول إلى المعرفة في كيفية مواجهة الأمور في حجمها الضخم الذي يتجلى أمامنا اليوم في عدم المساواة الاقتصادية الحالي وفي زيادة المتطلبات العالمية وهذا ما يفرض علينا طول المعاناة والخضوع تحت طائل هذه الظروف المعيشية الصعبة التي يمر فيها العالم.  

فما هي الخطوة تجاه إيجاد حل لمعضلة المعيشة اليوم ؟ هل الاحتجاج القائم في بعض الدول أو الفوضى التي تعم البعض الآخر هي الجواب لما نعانيه؟ هل أن استخدام القوة ومحاولة سرقة وترحيل البشر من موطنهم هو حل مقبول؟ هل نجح إستخدام العنف إيجاد حل نافع للبشرية في أي مشكلة مهما إختلف نوعها وحجمها؟ أو أننا معاً وسنجد طرق إيجابية وسلمية مع مراعاة مصالح جميع البشر في كافة البلاد سوف نجد حلاً شاملاً للأزمة في كافة أبعادها وعلى جميع مستوياتها.

من خلال مبدأ التعاون الإجتماعي نستطيع العمل معاً في وحدوية الأسرة العالمية لنتعاون في الوصول إلى نقطة الإرتباط معاً في جسد البشرية الواحد للوصول إلى الحل الذي يجلب السلام للجميع والعمل معاً في مساعدة الآخرين بدل الدمار الذي يسعى وراءه البعض في محاولة إستغلال الآخرين واستغلال خيرات بلادهم  وإنشأ ميزانية لهدف سد حاجات سكان كل بلد في العالم فإن التقصير ليس في الخيرات في الطبيعة التي نعيش فيها، فحسب بُحوت وتقديرات العلماء العلمية من المؤكد أن خيرات الأرض الطبيعية متوفرة بسخاء حتى لو وصل تعداد السكان إلى ضعف ما هو عليه في يومنا هذا فالطبيعة قادرة على توفير الحاجات الأساسية لكل كائن حي فيها. إن مبدأ المسؤولية المتبادلة والتعاون المتبادل يجلب وجهة نظر جديدة ومنظور واسع وعميق لإيجاد الحل الوحيد لصالح الجميع. يساعد مبدأ التعاون الإجتماعي على بناء العلاقة السليمة بين البشرفي حدود كل دولة والعلاقة السليمة بين دولة وأخرى على مبدأ سليم.

يجب علينا إيصال هذه الرسالة لكل المسؤولين في جميع مناصبهم، وإلى وسائل الإعلام لكي تنشر في العالم المبادئ التي تعمل على بناء المجتمع الإنساني ليعيش الجميع في هذا العالم بسلام بدلاً من الفوضى والتشويش التي تزرعه بين البشر عن طريق الأخبار الكاذبة.  

يجب على كل فرد في المجتمع الإنسان إدراك دوره في هذا العالم وواجبه تجاه أفراد البشرية كما يعي واجبه تجاه أفراد عائلته ومعاُ نستطيع الوصول إلى السلام والعيش الهنيء.  

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*