www.hikmatelzohar.com.74

المجتمع الصحيح

في كتابات عالم الكابالا الشهيرالراباش، من مقال عدد ٥٤٥ والذي بعنوان “العمل ونتيجة الجهد” كتب قائلاً “إن من يقول إني بذلت جهداً ووجدت هذا صدِّقه” ولكن كيف وفي أي حال يكون جهد الشخص عاملاً مرتبطاً بما يجده إذا كان ما يجده الإنسان “كلقية” يأتيه من مكان لا يتوقعه؟ كيف يصبح العالم الأعلى ظاهراً لي كمكان أبحث فيه لأجد ما أستطيع إيجادُه, فأنا أريد أن أتلقى شيئاً معيناً في خاطري ولكن فجأة ً أجد نفسي أنني قد وجدت شيئاً آخر. فها أنا قد قضيت سنين عديدة أعمل جاهداًً في البحث والدراسة كي أحصُل على مكافأة معينة. لماذا إذاً مكافأتي تحولت إلى”لقية” الآن؟

المسألة هنا هي أنني كنت أبحث عن الهدف على أساس المعرفة والأحاسيس التي كانت لدي حينما بدأت في بداية الطريق ولكن مع مرور الوقت وتقدمي في الدراسة والبحث تبدأ أفكاري تتغير وذلك بواسطة النور الذي ينمي الوعي لدي إذ يعطيني فكراً جديداً وإحساساً جديداً يتناسب مع ما بدأت أجده, شيءٌ لم أكن أتوقعه أو أفكر فيه من قبل. وهكذا أجد نفسي أنني أتلقى ما لم أسعى وراءه  فبدلاً من المكافأة التي كنت أترقبها وأود الحصول عليها قد وجدت شيئاً أخر يتناسب مع حاجتي في المرحلة التي أنا فيها. في عالمنا  المادي نحن نطلب المكافأة المُتَّفق عليها سابقاً مقابل الجهد المبذول, أما في العالم الروحي فالأمر يختلف، إذ كلما بدأت أهمية رغباتنا الأنانية تتلاشى فإن أحاسيسنا تتغير وعندما نتخطى درجة أعلى نحو العالم الروحي نجد بأن هناك أشياء أخرى تنتظر بأن نجدها لم نتوقعها من قبل.

لإجاد الحل المناسب لمشاكل العالم يجب العودة إلى الجذور.

لنأمل بأن كل جهودنا التي نبذلها من كل قلوبنا وبصدق أن تجعلنا على درجة إستحقاق لننال نعمة من عند العلي بإغداق لطفه علينا في تجنب المعاناة والمصائب التي تنسكب علينا في هذا العالم. يجب أن نركز تفكيرنا ونبذل أقصى جهودنا في هذا الطريق في ترك تأثير إيجابي على العالم من خلال إرتباطنا معاً. فإن الأسلوب الذي نتبعه في العمل مهم جداً.  ليس المقصود بعبارة “التأثير الإيجابي” هو الحد أو إزالة كل ما نعتبره  سيء والقضاء عليه. نحن لا نستطيع إزالة أو تصحيح السيء ولكن إهتمامنا يجب أن يكون مُنصباً نحو تقدم الناس الروحي للإرتقاء إلى مستوى العطاء وفي الإرتباط معاً برباط المحبة عندها ومن خلال هذا الإرتباط نؤثر على الطبيعة من حولنا لنغير أحداثها السلبية نحونا.

من المجدي في أن لا تأتي في أسلوب تواجه مع الطبيعة مُحاولاً منع وقوع الكوارث فهذه صلاة وطلبة غير صحيحة وليست مجدية لأنك لن تستطيع السيطرة أو تغيير مجرى الأحداث بل أنه من الأكثر جدوى هو أن تستهدف السبب الذي يؤدي إلى وقوع هذه الأحداث أي أن تستهدف مصدر المشاكل والإضطرابات  والظواهر السلبية في الطبيعية. فالمشكلة موجودة في داخلنا نحن ولهذا يتوجب علينا إصلاح ذواتنا فهذا هو كل ما في الأمر.

يجب علينا الإرتباط معاً في وحدوية الخلايا في الجسد الواحد وتكون لدينا الرغبة في أن يكون هذا الإرتباط الذي يجمع بيننا هو الوسيلة في مساعدة العالم في السعي نحو تحصيل هذا الإرتباط الذي من خلاله يكون التأثير المجدي في السيطرة على جميع الأحداث السلبية التي تحدث الآن وتلك التي في المستقبل والتي ستعمل في أسلوب يحثنا نحو التصحيح بالقوة الجبرية.

سؤال : غالباً ما يسألني الآخرين عن معنى علم الكابالا وأنا أحاول أن أشرح جوهر هذا العلم وهدفه وكثيراً ما يتجاوبون معي بقولهم ” أنا أشعر بهذا الشيء نفسه وأعلم الذي تتكلم عنه ” فهل هذا يعني بأن لديهم النقطة في القلب ؟ وما الفرق بين هؤلاء الذين لديهم النقطة في القلب عن الذين من دونها ولكنهم يبحثون عن شيء ما وعن معنى لحياتهم في هذا الوجود؟

النقطة في القلب هي جزء من جوهر الخالق وضعها في الإنسان عندما كونه، عندما تصبح هذه النقطة ظاهرة لديك فإنك ستشعر وكأن الخالق يجذبك . نحن نميز النقطة في القلب عندما تجلب الإنسان إلى علم الكابالا المكان الذي تتلاقى فيه جميع النقاط في قلوب الناس في العالم كله . فعلم الكابالا ليس عبارة عن مجموعة من الكتب بل انه الحكمة والمنهج الذي يسير عليه الكون . فإن كتب علم الكابالا تجلب لك القوة الكامنة في هذا المنهج لتستخدمها كي تحصل على أول نبض روحي في عروقك .

في الحقيقة إن الإنسان دائماً متواجد تحت ” سيطرة القوة العليا “, فأنت دائماً كائن في داخلها مرتبطاً مع الآخرين فهكذا أنت باق على قيد الحياة. هذا هو الملخوت في عالم اللانهاية أو عالم الأبدية والذي هو موجود في واقعنا بالرغم من عدم شعورك به في كيفية إنتمائك له . فأنت ما زلت في نفس المكان ولكنك تعيش في عالم آخر مجرد من كل شيء مادي . أنا أنجذب لهذا العالم بواسطة النقطة في القلب لدي . إذا كانت هذه النقطة في القلب صاحية عندي فأنا سأجد نفسي ضمن المجموعة وآخذ في البحث والدراسة في كتب الكابالا طارحا ً أسئلة كثيرة فيما يتعلق بأمور التصحيح ، فأنا قادرعلى جذب النور إليّ من خلال القراءة للنصوص والنور هو الذي يأخذ في تصحيح الأنا في داخلي وهكذا أستطيع أن أحرز تقدما ً في حياتي الروحية .

ولكن إن لم يشعر الشخص إلى الحاجة إلى كتب الكابالا ولا إلى المجموعة هذا يدل على عدم وجود النقطة في القلب لديه. فهذا الشخص قد رسم في مخيلته صورة عن العالم الروحي ذاهبا ً إلى الهند في البحث عنه محاولا ً إيجاده في الأديان المختلفة والطقوس المتنوعة وفي أنواع التأمل العديدة وأديان العصر الحديث وغيرها من هذه المجالات . ولكن بالمقابل نجد أن الشخص الذي لديه النقطة في القلب لا يستطيع الإبتعاد عن علم الكابالا، فمن الممكن أن تجبره ظروف الحياة في أخذ بعض الوقت لنفسه كي يتمكن من تدبير أموره بعيدا ً عن الدراسة ولكنه من المستحيل أن يستبدل النقطة في القلب بأي شيء آخر في العالم .

سؤال :  كيف تعتبر بأن الحب بين الناس هو قانون إذا كان الحب يدور حول مشاعر الشخص؟

الرغبة هي الأساس أو المادة التي كُونت منها الخليقة . الرغبة هي قوة كقوة الجاذبية في مميزاتها. هناك قوانين واضحة  في العالم و نحن خاضعين تحت سيطرتها بشكل إلزامي، وهناك قوانبن أخرى لا ندركها وبالتالي لا نلتزم بها من منطلق عدم معرفتنا بها . ولكن عندما تصبح هذه القوانين ظاهرة فمن الأفضل دراستها ومعرفة قواعدها وتأثيرها والإلتزام بها.  في عالمنا كثيراً ما نستخدم كلمة “الحب” ولكن ما المقصود بهذا المصطلح ؟

الحب هو الإحساس الذي يوقظ فيّ الشعور الذي يجعلني أطمح تجاه وميض النورالذي تولد في داخلي  فأريد الإقتراب منه والإرتباط به للحصول على نوع من الإكتفاء الذاتي لملء الفراغ الذي أشعر به في داخلي. فالإكتفاء الذاتي يأتي من أشياء مختلفة كالطعام مثلا والجنس أو قضاء وقت ممتع مع الأسرة وأيضا ًيأتي الإكتفاء الذاتي من إستحواذ المال  والسلطة وحتى المعرفة ولكن ما هو الشيء الذي أسعى للإرتباط به من خلال جميع هذه الأشياء ؟ أنا أسعى وراء هذا الوميض الذي أشعر به في داخل رغبتي . هذا هو معنى “الحب “ في عالمنا

إن قانون ” أحب قريبك كنفسك ” في علم الكابالا  لا يعتني بالمظاهر الخارجية للإنسان كجمال الوجه ونوعية شخصية الفرد أو مركزه في المجتمع بالرغم من أن هذا ما يأخذه الناس بعين الإعتبار في تفسير معنى الحب في عالمنا. فهذا النوع من الحب ليس هو بحب موجه للشخص الآخر بل هو مجرد شعور بالإنجذاب أي الشيء الذي أراه بأنه سيشبع رغبتي أنا. الحب الصادق والحقيقي هو عندما تعمل على تقديم السعادة والإكتفاء من خلال تحقيق رغبات الشخص الأخر كما لو كانت رغباتك أنت، هذا يعني بأنك تحب قريبك بدلاً من محبتك لنفسك . فالعمل والجهد الذي تبذله في تقديم السعادة والإكتفاء للشخص الآخر ما يدعى ” أحب قريبك كنفسك”.

إن الكراهية التي نشعر بها تجاه الشخص الآخر ليست هى شعور بالكراهية في المفهوم المتعارف عليه عادة  ولكنه الرغبة في إستخدام هذا الشخص لمنفعتي الشخصية، وعدم الجدوى في منال ما أوده من هذا الشخص يولد فيّ الشعور في أنني لا أحبذ هذا الشخص أو ذاك وهكذا نحن نستخدم مصطلح الكراهية للتعبيرعن هذا  الشعور إلى أن نحوّل هذا الشعور بالكراهية إلى الشعور بالمحبة. كيف يكون هذا ممكناً ؟ بإستخدام هذه الرغبة التي لدي في تقديم السعادة والإحساس بالإكتفاء للشخص الأخر بدلاً من منفعتي الشخصية التي كنت أسعى وراءها .

أستاذي ومعلمي عالم الكابالا الراباش كان يقول لي : تخيل نفسك وكأنك في معادلة جبرية حسابية مع صديقك أو قريبك , فإذا حسبت نفسك بمقام  الصفر في هذه المعادلة وصديقك هو العدد واحد فيها أو على العكس لو كنت أنت العدد واحد وصديقك يمثل العدد الصفر . فموضعك في هذه المعادلة يعتمد كليا ً على رغبتك – سواء كنت ترغب في إستخدامه لمصلحتك الشخصية أو أن يكون هو المنتفع منك فإلى الحد الذي ترغب أنت فيه في تحقيق السعادة له ومنحه الشعور بالإكتفاء إلى هذا الحد نفسه سيكون بإستطاعتك الحصول على السعادة والشعور بالإكتفاء لنفسك إذ هي هبة ومحبة الخالق لك ومكافأتك لتصرفك بعدم أنانية تجاه صديقك .

سؤال : من هو الخالق ؟

الخالق هو سمة العطاء المطلق والمحبة السامية ولهذا السبب هو مُتوار ٍ عنك لأنه سمة التمام في المحبة والعطاء وأنت أناني ومغرور وتتحلى بسمة حب الذات. هل من الحق بأن الخالق يحجب نفسه مُتوارياً عنك ؟ في الواقع أن العكس هو الصحيح , فالخالق لا يحجب نفسه عنك بل أنت الذي تخفيه عنك ولا تريد معرفته ! كيف ؟ أنت وفي كل متطلباتك تقول له ” لو كنت فقط تعطيني ما أريده لنفسي الآن عندها أفكر في معرفتك والتقرب منك ، أنت تود إعطائي ملذات الحياة عن طريق العطاء المطلق وأنا أريد أن أتقبلها عن طريق رغبتي أنا أي حب الذات كي أتمتع بها دون مبالة بالغير” .

هذه هي المشكلة، لا يوجد أحد أو أي شيء يحجب الخالق عنك فهو يملء الكون الذي تعيش أنت في وسطه إذ لا يوجد أحد سواه. محاولة إلغاء شعور الأنانية لا يعني إلغاء رغباتك ومحيها. المطلوب فقط هو إنكار ورفض النوايا الأنانية وراء أي رغبة للحصول على أي شيء لهدف إشباع الذات عندك . فأنا لست بحاجة أن أضغط وأحصر رغباتي وأمنع نفسي من أي شيء بل يجب عليّ أن أحُدُ من نواياي الأنانية مُستبدلا ً إياها بنوايا من أجل العطاء بمحبة ونية صافية . أنا هنا لا أتعامل مع الرغبة في حد ذاتها بل مع النيّة وراء هذه الرغبة والتي هي الأساس هنا في هذه المعادلة .
سؤال : إن السؤال ” ما هو هدف حياتي ” هو بداية ظهور الرغبة عند الإنسان في إظهار وحي ومعرفة الخالق. فأنا أريد أن أعلم من الذي خلقني ومن أين نشأت ومن الذي يدير حياتي ؟ من الذي خلق الكون من حولي ولماذا وضعني هنا في داخل هذا العالم الكبير ؟ ما الذي يطلبه مني في كل لحظة من حياتي ؟ لماذا يعطيني من قلة الراحة دافعا ً إياي نحو المجهول ؟

عندما تبدأ هذه الأسئلة تتناثر في ذهني وبين أفكاري تصبح وكأنها السم الذي يبغي في القضاء على حياتي إذ لا يعود بإستطاعتي العيش من دون إظهار معرفة الخالق لأن هكذا صنعني الخالق إذ كونني تاركاً بصمته في داخلي وعلى جميع رغبات قلبي . فإن رغباتي كالقالب الذي يعكس تأثير النور عليّ وإلى أن أجذب النور إليّ لأملئ به هذا القالب فأنا لن أستطيع أن أجد الراحة في حياتي بل تصبح هذه الحياة أسواء من الموت عندي وأصل إلى مرحلة أقدم فيها على عمل أي شيء مقابل إيجاد ولو المقدار القليل من الإكتفاء في داخلي ذاتي لأستطيع الإستمرار في العيش.

لذلك إن واجبي محصور في توضيح كيفية إظهار النور وفي كيفية حصولي عليه، وطبعاً هذا عمل ليس بقليل ولا هو أمر بسيط فإنه من أجل هذا بالضبط دعيت حكمة الكابالا ” حكمة التقبل “. إن كلمة التقبل أو القبول في العالم الروحي ذات معنى مخالف لما هو متعارف عليه في عالمنا هذا الذي نعيش فيه, فمثلا ً إذا كنتُ عطشاناً أشرب قليلا ً من الماء لأطفىء ضمئي، لا يمكنني في العالم الروحي أن أشبع رغبتي هكذا وبشكل مباشر فليس الأمر على هذا النحو لأن الخالق لم يعطيني رغبة مُهيأة لقبول النور ولكن يحب عليّ أولا ً تنقية الرغبة وتصفيتها بوضوح, فهو يريدني أن أتحقق من الذي أريده، أتحقق من معرفتي للنور ومن إدراكي المؤكد بأن النور فيه أعظم شعور بالإكتفاء التام لرغبة قلبي والذي تصبو نفسي إليه . وهو يريدني أن أجرب كل أنواع الرغبات وكل أساليب الإكتفاء إلى أن أصل إلى مرحلة أثبت لنفسي فيها مؤكداً ما أريده مقتنعا ً بأن النور هو الشيء الوحيد الذي أريده .

فالخالق غيور جداً ومن الصعب إرضائه فهو يريدني أن أحبه لوحده فقط وهو يؤكد لي هذا بإظهاره في داخلي كل هذه النزعات والميول التي من الممكن أن تستحوذ على رغباتي لأصل إلى القرار الحاسم في أنني لا أرغب أي شيء آخر بجانبه وأنه هو الوحيد دائماً وسيبقى إلى الأبد الوحيد في حياتي دون غيره. كما ورد في مزمور الملك داود إذ قال: ” أنظر ما أطيب الرب ” .

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*