الواقع الشامل.hikmatelzohar.com.14

الواقع الشامل

 الواقع الشامل- ما هو؟ وماذا نعني عندما نتكلم عن العالم الروحي- فأين يوجد هذا العالم الخفي؟ هل تتسأل لماذا عمل الخالق هذا العالم المادي ووضعك فيه؟ لماذا وُلدت إلى هذا العالم وما هدف وجودك فيه؟

من المعروف لدى الإنسان وبحسب إحساسه وتوقعاته بأن حدود الكون لا تتوقف بحدود الغلاف الجوي الذي يحيط بعالمنا، من أين توّلد هذا الإحساس لديه وهل أساس هذا التفكير أو الشعور واقع حقيقي أو أنه مجرد خيال لا أكثر؟

أسئلة كثيرة تراود الشخص الذي يبحث عن معنى لحياته، فلا بد أن الخالق وضعني هنا لغرض معين والعناية الإلهية تقودني إلى هدف الخليقة ولكن من أين لي معرفة هذا الهدف وكيف أبحر في هذا العالم الغامض الذي لا أرى إلا جزء بسيط منه؟  هذا هو موضوع بحث علم حكمة الكابالا ومعاً سنصل إلى الأجوبة لكل هذه التساؤلات والمبنية على أساس علمي وليس على عالم الخيال والتوقع الإنساني.

على مدار الأجيال طورت الإنسانية العلوم المختلفة والمتنوعة من علوم الفيزياء والكيمياء إلى كافة علوم الحياة بكل مجالاتها لغرض بحثها و لمعرفتها و لمعرفة العالم الذي يحيط بها. وهذه العلوم تُسمى العلوم الطبيعية. وقد نمت مبنية على أساس وفي حدود إطار الحواس الخمس للإنسان. لقد إخترع الإنسان أدوات ووسائل تُمكنه من توسيع مدى حواسه. وهكذا ومن جيلِِ إلى جيل كدس الإنسان التجارب وتمكن من معرفة هذا العالم والعيش فيه. ومن ضمن العلوم بأجمعها، علم الكابالا هو العلم الوحيد الذي يُطور ويُنمي الإنسان بصورة مُختلفة جداً.

في بحثنا فيما وراء عالمنا المادي الذي نعيش فيه توصلنا إلى الإدراك بوجود عالم آخر، خفي، فنحن نشعر بوجوده، عن طريق الحدس بالرغم من إننا لا نراه. ولكن، لماذا نفترض وجود عالم خفي بالرغم من إننا لا نشعر به بحواسنا؟ لأننا ندرك وجود قوانين خاصة هي جزء من وجود عالم أكبر وأكثر إتساعاََ، كما نفهم أنه يجب أن تكون هناك قوانين عامة أكثر منطقيةََ تُعلل وتُوضح وجودنا في هذا العالم بصورة شاملة وتُلإئم واقعنا.

هل صحيح أن هناك ظواهر في هذا الوجود، لا ندركها ولا نعرفها؟ نعم!  نحن نعيش في عالم، يحدث كل شيء فيه بالصدفة وبصورة عرضية لا تُمكننا من التكهن به. فإننا لا نعرف ماذا سيحدث غداًً،  ولا نعرف من أين أتينا وماذا يحدث بعد موتنا. كما لا نستطيع ان ندرك نتائج  أعمالنا بالنسبة لمحيطنا، ولكن في الحقيقة نحن نؤثر على العالم الذي يحيط بنا بشكل مباشر.

فكيف إذاً يمكن أن نشعر بالعالم اللا مرئي أو الوجود بكامله ونحن نفتقد الحواس الملائمة له؟ هل بإمكاننا إكتساب هذه الحواس ؟

الوجود بكامله المرئي أو اللا مرئي على كافة طبقاته ومستوياته ينقسم الى جزئين: الجزء أو المستوى الأول هو الجزء الذي هو ضمن إطار حواسنا أي ما نراه وما نسمعه وما نستطيع جسه والذي يدعى ” عالمنا ” أو “هذا العالم”، والجزء أو المستوى الثاني هو الجزء غير المحسوس أو ما فوق طاقة الإدراك الحسي لدينا. ولكن إذا كانت لدينا حاسة إضافية هل يمكننا أن نشعر بالعالم بصورة كاملة ؟ نعم ،لإنه بسبب فقداننا القدرة على إحساس وإدراك العالم كله، أي الوجود بكامله إننا نعاني من العذاب والمعاناة في هذه الحياة وذلك لأننا لا ندرك كيفة التعامل الصحيح مع بعضنا البعض ومع الطبيعة التي تُحيط بنا.

عندما نجري بحثاً علمياً حول عالمنا هذا فإننا نصل الى مرحلة لا نستطيع فيها أن نتقدم ولو خطوة واحدة وكأننا نواجه طريقاً مسدوداًً. ففي الواقع، هنالك الكثير من المناهج التي تُحسن وبصورة جزئية قدرتنا على التكهن والتخمين وتَجاوُز حدود حواسنا. ولكن وفي الحقيقة هذه المناهج لا تُفيدنا لأننا نبقى دائماًً في نطاق التكهن الغامض ولا نستطيع الوصول الى العلم اليقين والمعرفة التامة.

الإنسان هو مخلوق متطور ومتقدم، وبالرغم من تطوره وتقدمه فهو يشعر وكأنه لا حول ولا قُوة له،

فهو تائه في هذا العالم، يبحت عن معنى وأصل وجوده، يرغب في إيجاد أجوبة عن خالقه وعن هدف حياته هنا، وعن سبب كل هذه المعاناة التي يواجهها في حياته. وبالرغم من التطور العلمي الذي أحرزه العالم اليوم فإنه من الواضح إننا لم نصل إلى النتائج المطلوبة والتي نبحث عنها من خلال هذا التطور والبحث في هذا العالم. لذلك يجب علينا أن نعترف بالأمر الواقع ونبدأ بالبحث عن مستوى و طريقة مختلفتين تماماً. فالتطور العلمي يساعدنا في معرفة عالمنا هذا وتطوير أسلوب حياتنا فقط ولكن إذا أردنا معرفة معنى وهدف حياتنا فلا بد من ان نتبع منهجاً آخر.علم الكابالا هو العلم الوحيد الذي يبحث في الوجود ككل شارحاً وبالتفصيل العلمي الدقيق معنى الحياة.

من خلال علم الكابالا يستطيع الإنسان إكتساب وتطوير حاسة إضافية جديدة وتدعى بالحاسة السادسة. كالهوائي لإلتقاط الموجات الأثيرية هكذا الحاسة السادسة للإنسان، فهي تًساعده على الشعور بالعالم الروحي أي العالم الخفي. فالحواس الخمس نولد بها، أما الحاسة السادسة يجب علينا تنميتها بأنفسنا.

تطورت الإنسانية على مر العصور وتتابع الأجيال، وكذلك إراداتها كانت تتغير تبعا ً لتطوير نوعية الحياة وإحتياجات ومتطلبات العصر. أما بالنسبة لتطور الإنسان كفرد من المجتمع فيكون على مراحل متجسدة برغبات مختلفة.

الرغبة الأُولى وهي محصورة في إشباع الإهتمامات والحاجات الجسدية لدى الشخص أي حاجات الجسد البهيمية من الطعام والجنس والإنتماء إلى أسرة. وبعدها ظهرت رغبة أخرى وتركز إهتمام هذه الرغبة على السعي نحو المال وتحصيل المعرفة والمناصب الرفيعة والسمعة الحسنة، أما الآن فرغبة الإنسان أخذت تتركز حول الأمور الروحية لإيجاد هدف حياته في هذا العالم.

هذه الرغبة للعالم الروحي تدعى ” النقطة في القلب “. ومن هذه النقطة يبدأ الإنسان في البحث عن جواب مقنع عن معنى الحياة ، لماذا خُلق ؟ من أين أتَى؟ وما هو هدفه في هذه الحياة؟ من هو الخالق؟ وما هي صلة الوصل بينه وبين خالقه؟ لتوفير الأجوبة لكل هذه التساؤلات وإشباع هذه الرغبة يتيسر فقط عن طريق البحث في علم حكمة الكابالا. في اطار الحياة يأتي الإنسان إلى مرحلة أو موقف معين يعي وجود النقطة في قلبه وهنا عندما يبدأ الشخص بالشعور برغبة تجاه العالم الروحي والقوة العليا. ولكن إذا كان الشخص لا يُظهر أي إهتمام بالعالم الروحي فهو إذاً غير مستعد له، ويكون من الإكراه المحاولة لإيقاظ هذه الرغبة فرضا.

إن الرغبة التي خلقها الخالق لتبتهج وتُسر به “بنوره” تدعى النفس هذه الرغبة تبقى دائماً في حالة صحيحة ومثالية وملتصقة وملتزمة بالخالق كما في وضعها الأول حين وُجدت. لتكون النفس قادرة على إحراز المكانة التي كانت عليها والتي من حقها وأيضاً أن تُعادل وتوازن سماتها بسمات الخالق مستقلة عنه، لذلك فصلها الخالق عنه بإعطائها سمات معاكسة لسماته. لهذا السبب فقدت النفس القدرة على الشعور بوجود الخالق والأبدية والكمال، وأُلبست جسداً مادياً وأُعطيت إرادة للتمتع والحب للذات. من خلال هذه الإرادة تشعر النفس بما ندعوه: هذا العالم “. ولكن للعودة لمكانتها الأولية والأصلية والحقة والكاملة ولقدرتها على الشعور بالخالق، يجب على هذه النفس أن تنمو في سماتها المشابهة لتلك التي للخالق وكأن هذه السمات تولد وتوجد فيها من جديد. النفس في حالها الأصلية والكاملة تتألف من ذات مقدار النور النابع من الخالق، فهي ممتلئة بهذا النور. وكلما إبتعدت هذه النفس عن الخالق كلما ضعُفت رغبتها. في أبعد مكان من تواجد النفس من الخالق تبقى هناك نقطة صغيرة من النور الذي كان فيها “نقطة صغيرة في الحجم والقوة”.

الإنسان هو محور الخليقة وهدفها. خلق الخالق البشرية ورغب بأن يرفع البشر إلى أرقى وأسمى منزلة – إلى منزلة الخالق نفسه. مراحل “إحراز نور الخالق” تعني التعرف على سمات الخالق والتي تستخدم كوسائل للاصلاح وأيضاً معرفة الهدف الأساسي للخليقة لأنه وبخلاف نمط الطرق العلمية إن إحراز الخالق هو مكافأة ورضا معطاة لنا من جلالة عظمته .

وفقا لتعليم علم حكمة الكابالا إن الإنسان هو الخليقة بكاملها “الإنسان الأول- آدم”. بعدما خُلق آدم تحطمت نفسه وتبعثرت إلى ستمئة آلف جزء. ينبغي على كل جزء من هذه الأجزاء أن يُصلح نفسه مُستقلاً بتوازن هذا الجزء أو هذه النفس في سماتها مع الخالق. كل مخلوق منا يتوجب عليه بوعي وإدراك أن يخطو خطوات خلال مراحل الاصلاح هذه. فإن إصلاح كل جزء يسمح للنفس بأن تمتلئ بنور الخالق يعني أن هذه النفس تبدأ بالشعور بالخالق، هذا الشعور أن الخالق يملاء النفس هو شعور جديد، ومن خلال هذا الشعور نجد وندخل العوالم الروحية .

الهدف هو أن تمتلء النفس كلها بنورالخالق ولكن في الوقت الحاضر إن نفوسنا موجودة في مرحلة أو على درجة تدعى “هذا العالم” وهو المكان الذي لا تشعر فيه النفس بالخالق، فهو مُحتجب ومختفي عن أنظارنا. عندما تدرك وتحرز النفس التواصل مع الخالق لأول مرة، ترتقي هذه النفس إلى الدرجة الأولى في العالم الروحي. عندها تبدأ النفس بمراحل تغيير سماتها لتكون متشابهة بتلك للخالق أكثر فأكثر وبالتالي نشعر بنور الخالق أكثر فأكثر وبقوة وبشدة. عندما تصل جميع الأجزاء إلى مرحلة الاصلاح الكاملة معاً يرتفعون ويرتقون إلى مكان أو مرحلة تُعرف بنهاية الاصلاح.

إذاً حكمة الكابالا هي نظرية لإكتشاف وإحراز العالم الروحي، ننمو فيها ونتقدم على مستوى درجات روحية مُختلفة ودورات حياة مُتعاقبة وأوضاع روحية مُتجددة.

لقد كان سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، أول من عبر من الشعور الدنيوي المحدود إلى الشعور بالعالم الأعلى السماوي أي العالم الروحي. وفي كل جيل من الأجيال يوجد هناك أفرادٌ يستطعون إحراز العالم الأعلى بمفردهم حتى قبل بلوغ الإنسانية بأجمعها “كل النفوس البشرية ” إلى درجة الكمال.

مع أن علم حكمة الكابالا غالباً ما يميل أو يبدو وكأنه علم تقني أو علم غامض، لكن من المهم جداً أن نذكر بأن هذا العلم هو علم عملي. فالأشخاص اللذين تضلعوا وأبرعوا في هذا العلم وكتبوا عنه هم أشخاص مثلي ومثلك. كانوا يسعون لإيجاد حلول وأجوبة لمثل هذه الأسئلة والتي جميعنا نرغب أن نجد جواباً لها.

أسئلة كالتالية: ” لماذا ولدنا في هذا العالم “؟ ” وماذا يحدث لنا بعد موتنا “؟ ” لماذا هناك معاناة وآلآم في هذه الحياة “؟ “هل بإمكاني الشعور بالسعادة والمسرة الدائمتين والباقية، وإذا كان هذا الأمر صحيحٌ، فكيف يمكن تحقيقه”؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*