حكمة الكابالا والزوهار-علم النفس

علم النفس وعلم الكابالا

علم النفس وعلاقته بعلم حكمة الكابالا

كل شيء في الكون له نقيضه فمن النقيض يعلم المرء جودة الشيء وأهميته وفعاليته. فلولا الظلمة لم يعرف الإنسان معنى النور ولولا الحرارة لم يتمكن معرفة البرودة ودرجاتها وفائدتها، فالقوات المتناقضة هي التي تجلب التوازن الشكلي للطبيعة. فما هو عمل وتأثير هاتين القوتين على الإنسان وعلى البيئة التي يتواجد فيها؟

في المجتمع الذي نعيش فيه يوجد أسلوبين من التعامل بين الناس،” التقبل والعطاء هذا يعني أن كل فرد في المجتمع الإنساني يجب وبحسب قوانين الطبيعة أن يتلقى حاجاته من المجتمع وفي المقابل يجب أن يكون عضوا فعالا فيه لإفادة مجتمعه.

تثبت العلوم حقيقة وجود قوتين في كل درجة أو مستوى من مستويات الطبيعة. تتصف هاتان القوتان بأنهما متناقضتان ولكن كل منهما مفعمة بالحيوية وفعالة في دورها.

ففي مستوى الجماد نرى القوتان تتمثلان بين المواد الكيميائية المادية المتبادلة من جهة والأفعال المكانيكية من جهة أخرى. لتوضيح هذه النقطة نأخذ على سبيل المثال التجوية والتي هي عملية تفتيت وتحلل الصخور والتربة والمعادن على سطح الأرض أو تراصصها بواسطة العوامل الجوية السائدة دون نقل الفتات من مكانه.

أما بالنسبة إلى التجوية الكيميائية فهي تحدث حينما يتفاعل الهواء أو الماء مع المعادن المكونة للصخور فيؤدي إلى تكوين معادن جديدة أي تغيير في تركيبها الكيميائي وانتاج مادة جديدة أو صخرا جديدا. أما بالنسبة إلى عملية التجوية الميكانكية والتي يطلق عليها أحيانا التجوية الفيزيائية وهي عملية تفتت الصخور إلى أجزاء أصغر دون حدوث أي تغيير في التركيب الكيميائي ودون حدوث أي إنتقال أو تحول في المكان. وتظهر هذه العملية في عدة أوجه: العامل البري أي “الرياح والماء والجاذبية”. فعندما تتجمد المياه في الشقوق حيث تتمدد في الصخر فتعمل على تشققه. أيضا عامل تأثير جذور النباتات والتي تعمل أحيانا على تفتيت الصخور خلال مراحل نموها. والحيوانات عندما تبني بيوتها في التربة أو تختبىء تحت التراب.
أما على المستوى النباتي من الطبيعة نرى هاتان القوتان تظهران في عملهما من خلال عملية التركيب الضوئي ويتم هذا من خلال عملية كيميائية معقدة تحدث في خلايا البكتريا الزرقاء وفي صانعات اليخضور أي الصانعات الخضراء والتي تدعى أيضا  بالكلوروبلاست في كل من الطحالب والنباتات العليا، حيث يتم فيها تحويل الطاقة الضوئية الشمسية من طاقة كهرومغناطيسية على شكل فوتونات أشعة الشمس إلى طاقة كيميائية تخزن في روابطها مادة الجلوكوز. وهذه العملية تتم في دورتين: تدعى الأولى بتفاعلات الضوء وهي تفاعلات تعتمد على وجود الضوء وتعمل عليه. وتدعى الثانية بتفاعلات الظلام وهي التفاعلات التي تعمل ليلا وفي الظلام استغلالا للمنتجات النهارية التي أنتجت في الضوء.

أما على مستوى الحي من الطبيعة نرى هاتان القوتان تظهران في الخلايا والأعضاء. فالخلية هي الوحدة التركيبية والوظيفية في الكائنات الحية. فكل الكائنات الحية تتركب من خلية واحدة والتي في إنقسامها تنتج مجموعة الخلايا المتشابهة في التركيب والتي تؤدي معا وظيفة معينة في الكائن الحي. أما الأعضاء “الأحشاء” في الجسد فالعضو منها هو عبارة عن مجموعة من الأنسجة التي تقوم بوظيفة أو عدة وظائف معينة ومحددة. هاتان القوتان تظهران بشكل خاص على درجة الإنسان والذي ينتمي إلى العالم الروحي.

أما بالنسبة إلى تطور الإنسان فقد ظهر كنتيجة لتطور الأنا. ففي تواجده في مستويات الجماد والنباتي والحي في الطبيعة نرى بأن الشخص يتطور بشكل حيوي ومستمر تحت سيطرة الأنا والرغبات الأنانية والتي تتغلب على الرغبة الفطرية والساذجة فيه لتصبح أكثر تعقيدا.

تقسم الرغبات إلى نوعين، الرغبات الجسدية والتي تتجلى في حاجات الإنسان في البقاء والإستمرار كالطعام والجنس وبناء العائلة وللرغبات الإنسانية في تحصيل الثراء والإحترام والسلطة والمعرفة، وفي الرغبات الروحية. فإذا جزأنا محور الزمن لتطور البشرية نجد أنه منذ حوالي القرن الخامس قبل الميلاد وحتى الخامس بعد الميلاد كان العالم يطمح إلى الثراء. طبعا إن تحديد الزمن قابل للمناقشة وتنازع الأراء عليه وذلك يعتمد على نوعية الحضارات المختلفة التي ظهرت في هذه الحقب الزمنية. ومن القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر نجد بأن الرغبة في تحصيل السلطة تعاظمت. فالعصور الوسطى لم تكن المرحلة الزمنية التي نجد فيها أن الإنسانية قد فتر نموها وكأنها وصلت إلى مرحلة الجمود، لا بل أنها كانت في الواقع مرحلة نمو داخلي عميق والذي تمثل في الأحداث المختلفة لهذه المرحلة الزمنية.

أما المرحلة التالية لنمو الرغبة تتحدد من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين والتي فيها ظهر الطموح وراء المعرفة. وبعد ذلك أخذ كل شيء بالتضاؤل حتى بداية القرن العشرين حين ظهور حقبة جديدة والتي بدأت فيها ظهور الرغبة والإدراك الحسي لمعرفة الإنسان لمعنى الحياة. بالرغم من أننا نجد أول تساؤلات في موضوع علم النفس في عصر مصر القديمة باللغة الهيروغليفية، وفي كتابات الفيلسوف الإغريقي أفلاطون لكنها جميعها أتت على مستوى خارجي ولم يمس جوهر الإنسان الداخلي بما أنه في هذه المرحلة لم يظهر علم النفس على مستوى العامة ولم يمس موضوعه الشخصيات البارزة ليتم دراسته.

فإنه فقط بعد مرحلة إشباع الرغبات الجسدية دخلنا في المرحلة التي بدأ يشعر فيها الإنسان بحاجاته الروحية والتي تتعلق بجوهر وجوده. هنا أخذت أسئلة كثيرة ومتعددة بالظهور بخصوص المعرفة. وهذه هي نقطة وجود وولادة علم النفس والتي حصلت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين والتي مهدت الطريق له إلى وقتنا هذا. فعلم النفس هو الدراسة الأكاديمية والتطبيقية للسلوك والإدراك والآليات المستنبطة لهما.

بكلمة أخرى إن علم النفس هو الدراسات العلمية للسلوك والعقل والتفكير والشخصية ويمكن تعريفه بأنه الدراسة العلمية لسلوك الكائنات الحية وخصوصا الإنسان وذلك بهدف التوصل إلى فهم هذا السلوك وتفسيره والتنبؤ به والتحكم فيه. ولكن وبعد مرور الفترة الأولى من نمو علم النفس بدأت تظهر خيبات الأمل في قدرته على مساعدة الإنسان إذ أنه كان محصورا في تهدئته وتسكينه بدلا من إظهار مراحل نموه ومساعدته على تنمية رغباته أكثر فأكثر. فإنه بإدراك ومعرفة مقدار عدم معرفتنا لكل هذه المراحل وتفهمنا إلى أي مدى نحن لا ندرك هدف نمونا، أخذ علم النفس يتضاءل في تأثيره وفعاليته ليتحدد دوره في التطبيقات العملية وفي تطبيق نظريات مختلفة ونشر مقالات متنوعة هدفها فقط إراحة الناس، وأخذت النتائج صبغة الخدمة إذ أصبح علم النفس في خدمة تهدئة الناس وجلبهم إلى مرحلة إخماد رغباتهم بدلا من تنميتهم والوصول بهم إلى أعلى مراحل نمو الرغبة، فهذا ما كان متوقع من علم النفس.

أما من منظور علم الكابالا، تتواجد هاتان القوتان في الطبيعة، الأولى وهي قوة العطاء أي القوة الإيجابية وقوة التقبل أي القوة السلبية واللتان تتبلوران على درجات مختلفة “البيولوجية والجسدية والأخلاقية..” وتتجلى كلتيهما في نظام متوازن في الطبيعة. إذا كانت هاتان القواتان متوازنتان في الجسد الإنساني يكون الجسد صحي وصحيح. وأيضا إذا كانت هاتان القوتان متوازنتان في الطبيعة يعني أن الطبيعة في حالة راحة تامة. فإن عدم التوازن هو الذي يؤدي إلى كل أنواع الحركة.

في الحالة الطبيعية، إن عدم التوازن ضروري في الطبيعة لأنه يجلب الحياة إذ أنه نتيجة التفاعل المستمر بين القوتان ولكن في حدود معينة وإن الإختلاف الذي في العلاقة بينهما هو الذي يبدع الحياة. فعلى سبيل المثال إن  إتساع وإنقباض الصدر في عملية الشهيق والزفير وخفقان القلب وكافة الأعضاء الأخرى جميعها مبنية على نظام الحركة المتبادلة للقوتان المختلفتان والتي تدعم الواحدة الأخرى بشكل كامل متممة كل واحدة عمل الأخرى. والحياة هي نتيجة هذا التفاعل والتي تظهر وتستمر بناء على التفاعل المضبوط والمتناغم والمنسجم لهاتين القوتين.

خلال عملية النمو المتزايدة سنصل إلى نقطة فيها يبلغ الجنس البشري بكامله إلى هذا النوع من التفاعل المضبوط والمتناغم والمنسجم في التعامل معا ويكون فيه جميع الأفراد في تناغم متبادل. ولكن وكما عملية التنفس في الجسد تعمل في تناسق بين الشهيق والزفير هكذا يكون الترابط بين البشر في تناغم متبادل وينتج هذا التناغم المتبادل حينما تكون القوتان قوة العطاء وقوة التقبل تتواجدان في انسجام كامل إذ تتفاعل الواحدة مع الأخرى في تناوب لتكمل الواحدة عمل الأخرى.فبالقدر الذي يتلقى فيه الشخص يتوجب أن يعطي بالمقابل والعكس صحيح أيضا إذ أنه بالقدر الذي يعطي فيه الشخص يتوجب عليه أن يتلقى مقابه. وهكذا نستطيع العيش في حالة انسجام وتوازن معا عندما تكون قوة العطاء تساوي قوة الأخذ. فالطبيعة هي التي تأتي بنا إلى حالة التوازن هذه إذا كان لدينا العزم والنية للوصول إلى هذه النقطة إذ أن التوازن هو الإتجاه العام للطبيعة.

نحن لا نستطيع عمل أي شئ لتغيير قوانين عمل الطبيعة، فالإنسجام والتوازن هو القانون الذي بني عليه الوجود بكامله.كل ما نستطيع عمله هو إدراك كيفية تطبيقه في طريقة تعاملنا مع أفرا البشرية ومع البيئة لنصل إلى حد نستطيع فيه الوصول إلى الهدف النهائي براحة وسهولة.

من المتعارف عليه منذ القدم أن علماء الكابالا برغبتهم في إظهار العالم الروحي كان يتوجب عليهم أن يبدأوا من عالمنا ليمهدوا الطريق أمامهم من خلال دراستهم وبحثهم في أنواع العلوم المختلفة والتي تتطلب منهم جهود عظيمة ومعاناة أعظم أي أنه توجب عليهم إنتزاع أنفسهم من الماة ذاتها التي عملوا منها ليأتوا بأنفسهم إلى مرحلة يكونوا فيها قادرين على إظهار العالم الروحي وإظهار نظامه في نوع الترابط بين البشر بشكل صحيح.

ولكن بعد ذلك ظهرت كتابات الآري والذي شرح فيها نوعية الترابط الداخلي والذي يوحد الناس من خلال نظام خاص من العلاقة المترابطة كما نرى في حال العلاقة بين ملخوت وزعيرآنبين، وأبا وإيما، وإلى ما آخره من نوعية الترابط بين السفيرات.من خلال تفسير العلاقات بين السفيرات شرح الآري نموذج وصورة الترابط التي من الممكن أن يتواجد فيها الناس في إرتباطهم معا، وكيف أن نوعية الترابط بين السفيرات يؤثر علينا وبالمقابل كيف أن ترابطنا معا يؤثر على السفيرات وإيقاظ الترابط فيما بينها. فإن نوع الترابط في العالم الروحي نفسه في عالمنا هنا إلا أن الفرق الوحيد أن الترابط في العالم الروحي قائم على ميزة العطاء.

فكما الحال في نوعية شبكة ترابط العلاقات فيما بيننا في عالمنا هنا هكذا الوضع أيضا بالنسبة للعالم الروحي إلا أن شبكة الإرتباط هذه داخلية أي ترابط النقاط في القلب عند البشر بعضها ببعض. وهكذا نتحول من علم النفس المادي إلى الروحي والذي من خلاله نظهر الترابط الحقيقي بين أجزاء النفس البشرية المبعثرة.لقد شرح لنا عالم الكابالا الآري بكل التفاصيل أجزاء شبكة الترابط بين النفوس وواقعية عمل الترابط في يومنا هذا، أنه من خلال عملنا وترابطنا في المجموعة نستطيع جذب النور الذي يقوم بتصحيحنا من خلال نظام هذه الشبكة.لسنا أننا نحرز الترابط عن طريق رغباتنا وقوانا الجسدية بل بالأحرى عن طريق جذب النور المحيط النابع من نظام شبكة الترابط في العالم الروحي هو الذي يقوم بتهذيبنا وإصلاحنا.

إذا قمنا بدراسة بنية هذا النظام عاملين على تحقيق أسلوب الترابط نفسه فيما بيننا عندها يكون من غير المهم فهم تفاصيل عمل النظام، فليس بالمعرفة نستطيع الإحراز بل بواسطة الجهد الذي نبذله إذ أن الجهد هو الذي يوقظ تأثير القوى العليا علينا. فكما هو الحال في عالمنا إذا أراد الشخص إحراز إدراك أي نظام في أي مجال ما يجب أن يندمج هذا الشخص بهذا النظام ليصبح جزء منه ليستطيع الإحساس به عند دراسته له، وهكذا الحال عند دراسة نظام العالم الروحي، فعندما نصل إلى مرحلة نستطيع الإحساس به، فجأة تظهر صورة هذا النظام في داخلنا وندرك كيفية عمله ونظام الإرتباط به. وأما بالنسبة للتغيير الذي يحصل في الإنسان، الشيء الوحيد الذي يتغير هو النية عنده تجاه أي عمل ما يقوم به، وعندما يصبح الشخص جزء من هذا النظام يصبح عمله من خلال ميزة العطاء، وكلما زاد إرتباطه به كلما زاد تقدمه نحو إظهار عمل هذا النظام ليعلم كيفية العمل مع القوى العليا “سمة العطاء” والإرادة في التقبل التي فيه ليجمع عملها في انسجام تام.

هذا عمل عظيم جدا ويتطلب من الإنسان العمل في الدراسة مع المجموعة وتحت توجيه عالم كابالا.

كان معروفا عن صاحب السلم إحترامه لعلم النفس المادي بما أنه فتح الباب أمام علم حكمة الكابالا.يتكلم علم النفس عن قوات نفس الكائن الحي والتي تتواجد في عالمنا هذا على درجة الوجود الدنيوية.

يتكلم علم الكابالا عن نمو هذه القوات في الإنسان عندما يبدأ هو بالنمو. ويعود الفضل في ذلك إلى الشرارة الروحية في داخله “النقطة في القلب” والتي هي جزء من نفس أدم لتيقظها ولعمل النور في تصحيح الرغبات لتتمكن النقطة في القلب من النمو. فإن النور يؤثر على الإنسان وكأنه شيء من الخارج ولكن في الحقيقة إن يقظة النور تأتي من داخله توافقا وانسجاما مع طلبته مناجيا الخالق في الرغبة من الإقتراب منه.

عندما تبدأ النقطة في القلب في النمو يشعر الإنسان بقوة النفس العظيمة وهذا يعني بداية نمو سمة العطاء فيه، وكلما أحرز من التقدم كلما زاد نموه ليعي درجات قوة النور وأي القوات تأتي من الخط الأيمن وتلك التي من الخط الأيسر إذ أن كل منها له جذوره الروحية، ومباشرة تعمل هذه القوات معا رابطة الشخص بلغة علم حكمة الكابالا. ولكن يجب أن نعي بأن كل هذه القوات هي قوات النفس الداخلية في الإنسان. هذا هو علم النفس الروحي، علم حكمة الكابالا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*